الكاتب: د. فراس الصفدي - آخر تعديل: 2019-12-10
إن معظم المرضى الذين أقوم بإجراء العمليات الجراحية لهم تتجاوز أعمارهم الخمسين عاماً. أنا الدكتور فراس الصفدي أرحب بكم في موقعي الإلكتروني ويسعدني أن أحدثكم من خلال خبرتي الجراحية عن إجراء العمليات الجراحية عند كبار السن والمضاعفات التي قد تحدث لديهم.
نظراً لتحسن الرعاية الصحية وتقدم أعمار السكان مقارنة بما كان عليه في الماضي، فقد أصبح إجراء العمليات الجراحية لدى المسنين أمراً شائعاً جداً. ودائماً ما يثير إجراء العمليات الجراحية لدى المسنين الكثير من المخاوف والقلق حول سلامة العملية ومخاطرها، سواءً من قبل المريض نفسه أو من قبل أفراد عائلته.
في البداية فإن عمر المريض بحد ذاته لم يعد يشكل النقطة الأهم عند تحديد نسبة الخطورة لدى المريض، وإنما المهم هو الحالة الصحية للمريض والأمراض الموجودة لديه ووظائف أعضاء الجسم المختلفة، أي العمر الفعلي أو البيولوجي للمريض. وحالياً لا يشكل كبر المريض بالسن أي عائق من إجراء أي عملية جراحية مهما كان لديه من أمراض سابقة. بعض الأمراض سوف تزيد بطبيعة الحال من نسبة الخطورة واحتمال حدوث المضاعفات، ولكن يمكن من خلال إجراء الفحوص اللازمة والتحضير الجيد للمريض تخفيف نسبة المضاعفات إلى الحد الأدنى. وبذلك فإن كبر أي مريض بالعمر يجب ألا يشكل سبباً لحرمانه من إجراء عملية جراحية ضرورية، وخصوصاً في حالات الأورام، والتي يحتاج شفاؤها إلى الاستئصال الجراحي.
في الوقت نفسه فإن وظائف أعضاء الجسم لدى المريض المسن تكون أضعف منها لدى الأشخاص الطبيعيين، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل ضعف المناعة ونقص التغذية ونقص الحركة ووجود الأمراض السابقة. وبالتالي فمن الطبيعي أن يتعرض المسنون أحياناً لحدوث بعض المشاكل بنسبة أكبر من الشباب بعد العمليات الجراحية. وبالتالي فإن الخطوة الأهم قبل أي عملية جراحية لدى المسنين هي تحضير المريض بشكل جيد من خلال إجراء جميع الفحوص اللازمة وتعديل المعالجات التي يتناولها المريض بالشكل اللازم. ويتحمل المرضى المسنون بشكل عام التخدير العام أو البنج الكامل بشكل ممتاز طالما تم تحضير المريض بشكل جيد.
تتنوع المشاكل التي يمكن أن تحدث لدى المرضى المسنين بعد العمليات، حيث تمتد من المضاعفات الناتجة عن التصلب الشرياني مثل الجلطات واضطراب ضربات القلب، إلى المضاعفات الرئوية والعصبية، وصولاً إلى مشاكل الجروح مثل الالتهابات وتأخر الشفاء. وعلى الرغم من ذلك فإن الكثير من المرضى المسنين يخضعون لإجراء العمليات الجراحية المختلفة بدون أي مضاعفات تذكر، ويتمكنون من العودة إلى منازلهم وممارسة حياتهم الطبيعية بدون حدوث مشاكل على المدى الطويل.
يمكنك العثور أدناه على إجابات مفصلة على معظم الأسئلة التي قد تخطر ببالك حول العمليات الجراحية عند المسنين.
في الواقع لا يوجد عمر معين، لأن التقدم بالسن يعتمد على أداء الجسم وليس على العمر الزمني. فعلى سبيل المثال قد يكون هناك مريض يبلغ من العمر 50 سنة فقط ويعاني من مرض السكر ونقص التروية القلبية وارتفاع شحوم الدم بالإضافة إلى ضعف وظيفة الرئتين بسبب التدخين المزمن.
بالمقابل قد يكون هناك مريض يبلغ من العمر 80 عاماً يعيش بشكل صحي ويمارس الرياضة ولا يعاني من أي من هذه الأمراض، وبالتالي تكون حالته الجسدية العامة ممتازة واستعداده للجراحة أفضل من المريض الأول.
إن أحدث الدراسات الخاصة بالعمليات الجراحية في حالات السرطان عند المسنين تصرح بما يلي: عند التعامل مع ورم سرطاني لدى مريض مسن، فيجب ألا نركز على موضوع العمر وأن نقدم أقصى المعالجات المتوفرة لمعالجة الورم السرطاني وشفائه كما لو كان المريض شاباً وبغض النظر عن عمره الحالي. وإن تقدم المريض بالسن يجب ألا يشكل عائقاً أمام إجراء العملية طالما كان المريض يتحمل الجراحة بشكل مقبول، وطالما كان الورم غير منتشر في الجسم وكان قابلاً للاستئصال والشفاء بشكل كامل.
وحتى لو كان عمر المريض 70 سنة فربما يعيش حتى عمر 80 سنة أو 90 سنة بعد شفائه من الورم. وحين نقرر بأننا لن نقوم بإجراء العملية لمجرد أن المريض مسن، فسنكون قد حكمنا على المريض بالموت وحرمناه من الحياة لعدة سنوات إضافية. وحتى حين يرفض المريض العملية فيجب تسهيل الأمر عليه وتشجيعه في هذه الحالة على إجراء الجراحة لتحقيق الشفاء.
وقد شاهدت شخصياً الكثير من هذه الحالات. فإحدى المريضات كانت تبلغ من العمر 76 سنة وكانت تعالج لدينا بسبب إصابتها بسرطان المعدة. وكانت هذه المريضة قد أصيبت منذ عشرين سنة بسرطان الثدي وخضعت لاستئصال الثدي وشفيت من المرض. وبعد ذلك بعشر سنوات أصيبت بسرطان الرحم وخضعت أيضاً لعملية استئصال الرحم وشفي الورم لديها بشكل كامل. والآن حدث لدى المريضة ورم جديد في المعدة وخضعت أيضاً للاستئصال الجراحي لأن الورم كان في مرحلة مبكرة. والعبرة في ذلك هي أن الطبيب يجب أن يفعل دائماً كل ما بوسعه لتحضير المريض للجراحة وإجراء العملية بأفضل شكل ممكن، حتى في الأورام الخبيثة لدى المسنين.
إن تحديد ضرورة إجراء العملية لدى المريض المسن هو أمر حساس، فالكثير من الحالات الطبية لدى المسنين يمكن مراقبتها دون إجراء العملية، وبالمقابل الكثير من الحالات تحتاج حتماً لإجراء الجراحة. وإن الشخص الوحيد القادر على تحديد ضرورة العملية الجراحية لدى المريض هو الطبيب المتخصص.
فأطباء جراحة العظام مثلاً يحددون فيما إذا كان الكسر العظمي لدى كبير السن يحتاج بالفعل إلى عملية أم لا. وأطباء جراحة القلب يحددون فيما إذا كان المريض يحتاج إلى تبديل للشرايين أم لا. وأطباء جراحة البطن يحددون فيما إذا كان المريض يحتاج إلى عملية استئصال المرارة أو عملية الفتق الإربي أم لا. ولذلك ينصح في حالات الشك باستشارة أكثر من طبيب في نفس التخصص المطلوب للحصول على قرار بالإجماع حول المعالجة الأفضل للمريض.
لا. إن التقدم بالسن يجب ألا يشكل سبباً لإلغاء عملية جراحية ضرورية، سواء كان المريض يعاني من السرطان أو من أي مرض آخر. ويجب تقييم المرض بحد ذاته لتحديد قابليته للمعالجة من خلال العملية الجراحية. فإذا كانت العملية ضرورية للمريض فيجب إجراؤها حتى لو كان المريض مسناً.
وفي كثير من الأحيان يتحمل المرضى المسنون العمليات الجراحية الكبيرة بشكل غير متوقع ويكون أداؤهم ممتازاً بعد الجراحة. وقد رأينا في كثير من الحالات مرضى في التسعينات من العمر يخضعون لعملية جراحية بسبب مشكلة معينة ثم يعودون إلى حياتهم السابقة بشكل ممتاز.
إذا لم تكن العملية بالأساس معقدة (مثل عمليات القلب أو الدماغ) فإن هذه الأمراض لا تؤدي إلى زيادة خطورة العملية في معظم الأحيان. لقد أصبح إجراء العمليات الجراحية لدى المسنين أمراً ممكناً بفضل السيطرة الجيدة على الأمراض التي يعاني منها المريض.
وحتى حين تكون لدى المريض عدة أمراض سابقة مثل ارتفاع الضغط ومرض السكر ومرض الربو، فمن الممكن ضبط هذه الأمراض بشكل جيد قبل العملية بحيث تكون المضاعفات في الحدود الدنيا. ويتوجب دائماً التنسيق مع الطبيب المشرف على علاج هذه الحالات لدى المريض بحيث يتم الحصول منه على التعليمات اللازمة للعلاج قبل وأثناء وبعد العملية.
وبطبيعة الحال فإن المريض الذي يعاني من عدة أمراض ويتناول عدة أدوية سيكون أكثر عرضة من المريض الشاب السليم لحدوث بعض المشاكل أثناء أو بعد العملية. ولكن حسب خبرتنا مع المرضى المسنين يمكن إجراء العمليات الروتينية بدون أي مشاكل في معظم الأحيان، وذلك من خلال التحضير الجيد للمريض وإعطاء المعالجات اللازمة قبل وأثناء وبعد العملية بحيث تكون حالة المريض على أفضل وجه.
طالما أن العملية الجراحية ضرورية فيجب إجراؤها بطبيعة الحال. وطبيب التخدير سيكون مسؤولاً عن حياة المريض أثناء العملية وهو بطبيعة الحال حريص على مصلحة المريض. ولذلك في هذه الحالات يجب دائماً عدم الاكتفاء برأي طبيب التخدير، وإنما أيضاً إجراء الاستشارة القلبية لدى طبيب الأمراض القلبية المشرف سابقاً على علاج المريض.
وفي مثل هذه الحالات يُطلب من طبيب الأمراض القلبية استشارة قلبية خاصة بالتحضير للجراحة، حيث يحدد من خلالها درجة الخطورة لدى المريض واحتمال حدوث الوفاة لا سمح الله أو المشاكل القلبية أثناء وبعد العملية، كما يحدد النصائح العلاجية اللازمة والفحوص الإضافية التي قد يحتاج إليها المريض أثناء وبعد العملية. ولدى موافقة المريض وعائلته على نسب الخطورة المحددة من قبل طبيب القلب، يمكن لطبيب التخدير تخدير المريض مع الالتزام بتعليمات طبيب الأمراض القلبية.
فعلى سبيل المثال قد يحتاج بعض المرضى إلى تعديل جرعات بعض الأدوية أو إضافة أدوية معينة قبل العملية، أو إجراء تخطيط للقلب أو تحليل الخمائر القلبية بعد العملية. وحسب خبرتنا يمكن في معظم الحالات إجراء هذه العمليات بنجاح وبدون مشاكل، حتى ولو كانت لدى المريض مشكلة قلبية سابقة، أو كان قد خضع في السابق لعمليات في القلب مثل تبديل الصمامات أو زرع الشرايين.
يرتبط احتمال حدوث المضاعفات بالحالة الصحية للمريض. والإجابة على هذا السؤال تختلف بشكل كبير حسب عمر المريض وحالته الصحية العامة والأمراض التي يعاني منها، بالإضافة طبعاً إلى الحالة الجراحية التي لديه ونوع العملية الجراحية التي سيخضع لها. ويجب مناقشة هذه الأمور دائماً مع الطبيب الجراح بالإضافة إلى الطبيب الباطني المشرف على معالجة الأمراض السابقة لدى المريض.
على سبيل المثال إذا كانت هناك مريضة تبلغ من العمر 70 سنة وتعاني فقط من ارتفاع في الضغط وتتناول أدويتها بشكل منتظم، وكانت هذه المريضة تحتاج لعملية استئصال المرارة بالمنظار، فهنا تكون الخطورة الجراحية منخفضة وغالباً لن تحدث لدى هذه المريضة مضاعفات تذكر.
بالمقابل إذا كان هناك مريض مدخن يبلغ من العمر 50 سنة سيخضع لنفس هذه العملية، وكان هذا المريض يعاني من التهاب مزمن في القصبات مع نقص شديد في التروية القلبية، ولم يكن المريض ملتزماً بالعلاج والمتابعة الطبية بشكل جيد، فهنا من المحتمل كثيراً أن يحدث لدى المريض التهاب رئوي أو جلطة قلبية بعد العملية، وهنا ستكون خطورة العملية أعلى بطبيعة الحال. وفي الحالتين يتوجب طبعاً تحضير المرضى بالأدوية المناسبة مع المراقبة الضرورية أثناء وبعد العملية.
إن أي تداخل جراحي لدى المسنين يترافق بطبيعة الحال مع خطورة أعلى من المرضى الشباب وذلك للأسباب التالية:
التحضير الجيد هو الخطوة الأهم قبل إجراء أي عملية لدى أي مريض، وخصوصاً المرضى المسنون. ونظراً للأسباب المذكورة أعلاه (مثل وجود الأمراض السابقة ونقص التغذية) فينبغي دراسة حالة المريض المسن بشكل جيد قبل أي عملية جراحية، ويجب استشارة الأطباء المعالجين وإجراء أي تحاليل أو صور ضرورية بحيث يدخل المريض إلى العملية في ظروف مثالية. ويهدف ذلك إلى تخفيف نسبة المضاعفات إلى الحد الأدنى.
ولذلك ستجد بأن الطبيب سيقوم بطلب مجموعة أوسع من الفحوص قبل إجراء العملية، مثل تخطيط القلب الكهربائي، أو تصوير القلب بالإيكو، أو فحص الوظائف الرئوية، أو إجراء مجموعة كبيرة من الفحوص المخبرية، وذلك حسب العملية التي سيخضع لها المريض وحسب الأمراض السابقة التي كان يعاني منها.
تعتبر جميع تقنيات التخدير الجراحي ممكنة لدى المرضى المسنين. يفضل في بعض الحالات اللجوء إلى تقنيات التخدير الموضعي أو النصفي لدى المريض المسن، حيث يبقى المريض واعياً خلال العملية، وذلك لأن هذه الوسائل تترافق مع نسبة أقل من المضاعفات مقارنة مع التخدير العام. ولكن من الممكن في معظم الأحيان إجراء العملية تحت التخدير الكامل لدى المريض المسن بدون حدوث مشاكل تذكر.
وفي النهاية يتوجب تحديد الطريقة المناسبة للتخدير لدى المريض من خلال التنسيق بين الجراح والطبيب المخدر والطبيب العام المشرف على معالجة الأمراض السابقة لدى المريض، وذلك لأن هذه الأمور تختلف بشكل كبير من مريض لآخر، وكل حالة تكون مختلفة بشكل كبير عن الأخرى ولها خصوصية معينة حسب نوع العملية والأمراض المرافقة لدى المريض.
يعاني الكثير من المسنين من أمراض سابقة في أجهزة مختلفة من الجسم (مثل الجهاز القلبي الوعائي أو الجهاز التنفسي أو الجهاز العصبي أو الجهاز الكلوي) مما يؤدي إلى اضطراب في وظائف هذه الأجهزة. ولذلك فإن المريض قد يحتاج بعد الجراحة إلى المراقبة الحثيثة للتأكد من أن هذه الأعضاء المختلفة تقوم بوظائفها بشكل جيد.
وتعتبر وحدة العناية المشددة المكان المناسب لمراقبة هذه الوظائف عن كثب، وذلك من خلال أجهزة المراقبة المختلفة التي توصل إلى المريض وتعرض المعلومات على شاشات متطورة.
بالإضافة إلى ذلك فإن بعض المرضى المسنين قد يتعرضون أثناء العملية لمشاكل حساسة، مثل اضطراب عمل القلب أو الرئتين أو حدوث نزف شديد أثناء العملية يؤدي إلى اضطراب في الدورة الدموية. وهذه المشاكل تحتاج إلى المعالجة المكثفة بعد العملية، حيث يحتاج ذلك إلى بقاء المريض في وحدة العناية المركزة لتقديم أقصى درجات المراقبة والعلاج الممكنة. وفي معظم الأحيان يقيم المريض المسن في وحدة العناية المركزة بعد العمليات الجراحية الكبيرة لليلة واحدة أو ليلتين قبل أن يعود إلى جناح المرضى.
في بعض الحالات يتم التخطيط قبل العملية لمراقبة المريض في وحدة العناية المركزة بعد انتهاء العملية. ولكن في حالات أخرى تحدث بعض الأمور الطارئة أثناء العملية مما يستوجب إدخال المريض إلى وحدة العناية المركزة. وفي هذه الحالات لا يمكن تحديد السبب إلا من قبل الأطباء المشرفين على حالة المريض، فهناك الكثير من الأمور الطارئة التي قد تحدث أثناء العملية أو بعدها مباشرة وتستدعي بقاء المريض في وحدة العناية المركزة بعد العملية. وعادة يتم اتخاذ القرار من قبل الطبيب المخدر بالتنسيق مع الطبيب الجراح، وذلك في نهاية العملية الجراحية وحسب تطورات حالة المريض أثناء العملية.
ولذلك يجب في هذه الحالات الجلوس مع الجراح لفترة كافية والحديث معه بهدوء، وفهم جميع التفاصيل حول الأسباب التي استدعت إدخال المريض إلى قسم العناية المركزة بالإضافة إلى المشاكل التي يمكن أن تحدث لديه. كما يجب مناقشة الأطباء المشرفين على حالة المريض حول خطة العلاج والفترة المتوقعة للإقامة في وحدة العناية المركزة.
هناك عدد كبير من المضاعفات التي نصادفها لدى المرضى المسنين بعد العمليات الجراحية. وهذا لا يعني أن جميع المسنين سيعانون من مشاكل بعد العمليات. وبشكل عام إذا كان المريض سليماً وليست لديه أمراض سابقة أو كانت الأمراض السابقة لديه خفيفة ومعالجة بشكل جيد، فهو غالباً لن يعاني من أي مشكلة. أما إذا كان المريض سابقاً بحالة عامة سيئة أو لديه أمراض غير معالجة بشكل جيد، فهنا يزداد احتمال إصابته بمضاعفات مختلفة بعد العملية. وبشكل عام تشمل المضاعفات الشائعة كلاً مما يلي:
أثناء التخدير والجراحة وبعدهما تحدث تبدلات سريعة في القلب والجهاز الدوراني لدى المريض. ولا تؤدي هذه التبدلات إلى مضاعفات لدى الشباب. ولكن نظراً لأن المسن يعاني من التصلب الشرياني فقد تؤدي هذه التبدلات إلى انفصال أجزاء من المواد الدهنية المترسبة على جدران الشرايين وانطلاقها إلى الأعضاء المختلفة بشكل جلطات، مما يؤدي إلى مضاعفات معينة مثل الجلطة القلبية والجلطة الدماغية. كما أن تبدلات الضغط الكبيرة (ارتفاع الضغط أو انخفاض الضغط) هي مشكلة شائعة جداً لدى المسنين بعد العمليات الجراحية وقد تؤدي إلى مشاكل خطيرة مثل النزوف الدماغية وحدوث الفالج الشقي.
بالإضافة إلى نقص التروية القلبية والجلطة القلبية، فإن المرضى المسنين كثيراً ما يصابون باضطرابات في ضربات القلب بعد العملية مما يؤدي إلى تسارعها أو تباطئها أو عدم انتظامها، وخصوصاً بوجود مشكلة قلبية سابقة. ومعظم هذه الاضطرابات تكون بسيطة، ولكنها قد تكون في بعض الأحيان خطيرة وتستوجب المعالجة في وحدة العناية المركزة. وإذا كان المريض يعاني سابقاً من اضطراب في وظيفة القلب أو من جلطات قلبية في الماضي فقد يتطور لديه بعد العملية ضعف شديد في وظيفة القلب بالإضافة إلى الفشل القلبي.
نظراً لأن المريض الكبير في السن يكون أقل قدرة على التنفس بعمق بسبب ضعف عضلات التنفس واضطرابات المفاصل، فإن ذلك قد يعيق من دخول الهواء إلى الرئتين بشكل جيد بعد العمليات، مما يؤدي إلى تجمع الماء في الرئة نفسها وأحياناً داخل الصدر في المسافات المحيطة بالرئة. وقد يتطور ذلك لدى بعض المرضى إلى التهاب رئوي جرثومي يمكن أن يكون خطيراً.
الهذيان هو حالة غير طبيعية يضطرب فيها الكلام والتصرفات لدى المريض، حيث تصدر عنه أصوات أو كلمات غير ملائمة ويتحرك حركات غير طبيعية وتصدر عنه هلوسة غير معتادة. وهذه الحالة شائعة للغاية بعد البنج الكامل لدى المسنين حتى لو لم تكن موجودة قبل العملية، حيث يقدر أنها تشاهد في نسبة تصل إلى 60% من الحالات.
ويعتبر الصحو من التخدير العام بطيئاً نسبياً لدى المسنين، حيث يتأخر إطراح أدوية التخدير من الجسم ويكون الدماغ حساساً بشكل كبير للأدوية المستعملة في التخدير، مما يؤدي إلى اضطراب عمله لفترة طويلة حتى بعد زوال المواد المخدرة من الجسم. كما أن التبدلات العامة في معايير الجسم (مثل نقص الأوكسجين أو تبدل تركيز المعادن في الجسم) تفاقم من هذا الاضطراب. ولذلك فإن المريض المسن قد يعاني من الهلوسة والهذيان بعد التخدير العام بشكل أكثر من المريض الشاب. بالإضافة إلى ذلك فكثيراً ما يعاني المسنون من اضطراب في الذاكرة بعد العملية.
تحتاج هذه الحالات إلى التقييم الجيد للمريض وإجراء بعض الفحوص الإضافية لتحديد الأسباب الكامنة وراء اضطراب الوعي ومعالجتها. فإذا كان المريض يعاني من الألم فيجب تسكين الألم بشكل جيد، وإذا كان هناك نقص في الأوكسجين يعطى المريض الأوكسجين مع تحسين التنفس لديه، وإذا كان هناك نقص في السكر أو اضطراب في معادن الدم فيتم تصحيح هذه الاضطرابات، وإذا لم تكن هناك مشكلة صريحة أو سبب واضح للاضطراب الذهني يعالج المريض بالمهدئات والمراقبة. وتتحسن هذه الأعراض عادة مع الوقت، على الرغم من أنها قد تستمر لعدة أسابيع أو أشهر في بعض الحالات.
نعم. في حالات نادرة لا يتحسن الاضطراب الذهني بشكل كامل حتى بعد عدة أشهر. ولكن لا يمكن تحديد ذلك في الفترة التالية للعملية مباشرة. في بعض الأحيان تعود القدرة الذهنية لدى المريض إلى الطبيعي خلال ساعات، وأحياناً تحتاج إلى أيام أو أسابيع. ولكن في أحيان أخرى يبقى بعض الاضطراب في الوظائف الذهنية مدى الحياة وخاصة في الذاكرة.
وهذه الاضطرابات ليست ناجمة عن خطأ طبي أو تخديري أو جراحي، وإنما تنجم عن استجابة الجسم للتخدير العام والعمل الجراحي بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل أمراض الأوعية الدماغية التي تكثر لدى المسنين. ويفترض بأن التوتر الذي يصيب الجسم بسبب التخدير والجراحة الكبيرة يؤدي إلى حدوث جلطات دماغية صغيرة تؤثر على عمل مناطق معينة من الدماغ، مما يؤدي إلى هذه الاضطرابات الدائمة في القدرة الذهنية.
وبجميع الأحوال ينبغي تقديم جميع المعالجات الممكنة التي يمكن أن يحتاج لها المريض بالإضافة إلى ضبط الأمراض المرافقة الموجودة لديه، وبعد ذلك يتم الانتظار لعدة أسابيع أو أشهر ريثما يحدث التحسن التلقائي.
يعاني بعض الرجال المسنين من صعوبة في التبول بعد العملية الجراحية مما يؤدي إلى احتباس البول في المثانة. وينجم الاحتباس البولي بعد العمليات الجراحية عن عدة عوامل مثل الألم عند إجراء العمليات على البطن، والجرعات المرتفعة من الأدوية المخدرة والمسكنة التي تؤثر على وظيفة التبول، وإعطاء كميات كبيرة من السوائل أثناء وبعد العملية مما يؤدي إلى اضطراب وظيفة المثانة. وتؤدي جميع هذه العوامل إلى كسل المثانة وعجزها عن دفع البول بالشكل المطلوب بعد العملية.
وهذه المشاكل تكون أكثر شيوعاً لدى كبار السن نظراً لأن لديهم في الأصل اضطراب في عمل الأعصاب التي تفرغ المثانة من البول، مما يؤدي إلى ضعف عملية التبول وخصوصاً بعد التخدير الكامل. بالإضافة إلى ذلك فإن الكثير من المسنين الرجال يعانون من ضخامة في غدة البروستات (والذي يعتبر أمراً شائعاً للغاية بين المسنين). وتؤدي البروستات إلى انسداد الإحليل وإعاقة عملية التبول مما يؤدي إلى حدوث الاحتباس البولي.
يحتاج الأسر البولي إلى وسيلة مساعدة لإفراغ المثانة. ويتم ذلك من خلال إدخال القثطرة البولية، وهي عبارة عن أنبوب مطاطي رفيع يتم إدخاله عبر الإحليل إلى المثانة، ويوصل إلى كيس خاص في الخارج بحيث يتدفق البول من المثانة إلى الكيس بشكل مستمر. وفي كثير من العمليات يتم إدخال هذه القثطرة قبل العملية بحيث تبقى لفترة معينة بعد العملية الجراحية.
ولكن في حالات أخرى لا يتم تركيب هذه القثطرة إلا عند اللزوم في حال عدم قدرة المريض على التبول بعد العملية. وهنا يمكن أن تبقى القثطرة لفترة تتفاوت من يوم واحد إلى أسبوعين وأحياناً أكثر، وذلك حسب الفترة اللازمة لاستعادة القدرة على التبول، والتي تختلف بشكل كبير من مريض لآخر.
يعاني معظم المسنين من ضعف نسبي في الجهاز المناعي مقارنة بغيرهم من المرضى. ولذلك فإنهم يكونون معرضين بنسبة أكبر لحدوث الالتهابات في الجروح وفي مكان العمل الجراحي. بالإضافة إلى ذلك فإن ضعف عملية الترميم لديهم بسبب التقدم بالسن وسوء التغذية تعرضهم لانفتاح الجرح أو حدوث الفتوق البطنية في مكان العملية. وقد تحدثت بالتفصيل عن جميع مضاعفات الجروح في قسم منفصل في هذا الموقع.
نظراً لأن الكثير من المسنين يدخلون في حالة من الخمول ونقص الفعالية والنشاط والاكتئاب بعد أي عملية جراحية، فإن إعادة التأهيل هي إجراء مهم للغاية بعد العمليات الجراحية لدى المسنين. وللأسف فإن هذه الناحية لا يتم التركيز عليها بشكل كبير في الممارسة الطبية في الدول العربية، مما يؤدي إلى تدهور حالة المريض المسن بعد العملية على الرغم من عدم وجود أي مشكلة طبية تستدعي حدوث هذا التدهور.
إن إعادة التأهيل بعد العمليات الجراحية الكبيرة لدى المسنين هي عملية معقدة تتم على عدة أصعدة في الوقت نفسه. وينبغي الانتباه إلى الأمور التالية:
ينبغي البحث عن السبب المسؤول عن حالة الضعف والخمول بعد العملية ومعالجته بالشكل المناسب، وذلك من خلال الخطوات الثلاثة التالية:
إذا كانت كل الاختبارات والفحوص طبيعية ولم يمكن العثور على سبب معين لهذا الضعف، فيمكن الافتراض بأن المشكلة التي يعاني منها المريض هي حالة من الإنهاك الجسدي العام بعد العملية وبعد الإقامة في المستشفى وبدون وجود سبب واضح. وهذه الحالة شائعة بعد العمليات الجراحية وخصوصاً لدى المسنين أو في العمليات الكبيرة. وهي قد تستمر لعدة أسابيع أو أشهر أحياناً بعد إجراء العملية. ويتم عادة اتباع الإجراءات التالية لمعالجة الموضوع وإعادة المريض سريعاً إلى حياته الطبيعية: