1. الرئيسية
  2. أساسيات الجراحة
  3. مضاعفات العمليات الجراحية

مضاعفات العمليات الجراحية: ما هي وكيف يجب التعامل معها

الكاتب: د. فراس الصفدي   -   آخر تعديل: 2019-12-10

من خلال عملي اليومي في مجال الجراحة فإن مضاعفات العمليات الجراحية هي ليست بالأمر النادر، وينبغي على كل مريض أن تكون لديه فكرة عن المضاعفات التي يمكن أن تحدث بعد العملية. أنا الدكتور فراس الصفدي أرحب بكم في موقعي الإلكتروني ويسرني أن أحدثكم بالتفصيل عن الآثار الجانبية التي يمكن أن تحدث بعد العمليات الجراحية!

مضاعفات العملية الجراحية
الآثار الجانبية بعد العمليات الجراحية هي من الأمور المزعجة للمريض، والتي يمكن أن تحدث على الرغم من كل الجهود الكبيرة التي يبذلها الجراحون والطاقم الطبي واتخاذ الاحتياطات والتدابير الوقائية. وينبغي على المريض أن يعرف كيف يتعامل مع مثل هذه المشاكل بحكمة وعقلانية من خلال التواصل الجيد مع الجراح وفهم التفاصيل منه بشكل مباشر.
Image credit: licensed for Doctor-Firas.com from freepik ©

العملية الجراحية تبقى عملية جراحية! بعد أي عملية يعتبر المريض معرضاً لحدوث مضاعفات طبية ناجمة عن هذه العملية مهما كانت بسيطة. وعلى الرغم من أن معظم العمليات الجراحية تمر بدون حدوث مضاعفات مهمة، إلا أن بعض المشاكل البسيطة تعتبر شائعة الحدوث.

إن العامل الأهم الذي يحدد نسبة حدوث هذه المضاعفات هو نوع العملية الجراحية التي يخضع لها المريض، والحالة الصحية السابقة للمريض. ولذلك فإن احتمال حدوث مضاعفات طبية يختلف بشكل كبير جداً من مريض لآخر ومن حالة لأخرى. كما أن شدة هذه المضاعفات وتأثيرها يتفاوت بشكل كبير. وبذلك فإن المضاعفات قد تكون بسيطة وقابلة للعلاج بسهولة، وقد تكون أكثر شدة وتحتاج إلى إجراءات علاجية طويلة الأمد. وفي حالات نادرة يمكن أن تؤدي إلى مشاكل دائمة لدى المريض أو إلى الوفاة.

يمكن لمضاعفات العمليات الجراحية أن تحدث أثناء العملية أو بعدها بفترة قصيرة أو طويلة. وهي تكون إما مضاعفات عامة ناتجة عن التخدير والعملية بشكل عام، أو مضاعفات خاصة تحدث في مكان إجراء العملية الجراحية وترتبط بالأعضاء التي تم التداخل عليها. وهي يمكن أن تحدث مهما كانت ظروف العملية الجراحية مثالية، وبذلك فهي تكون خارجة عن إرادة الجراح والطاقم الطبي في معظم الحالات.

ينبغي التمييز بين المضاعفات الجراحية والأخطاء الطبية. فالمضاعفات الجراحية هي مشاكل تحدث بسبب حالة المريض أو ظروف العملية، وذلك بعد اتخاذ جميع الاحتياطات والإجراءات الطبية الضرورية من قبل الطاقم الطبي. أما الأخطاء الطبية فهي مشاكل تنتج عن إهمال أو تقصير في تقديم الرعاية الطبية الصحيحة. ومن الصعب على غير الاختصاصيين تمييز المضاعفات الجراحية عن الأخطاء الجراحية. ولذلك ينبغي على المريض دائماً أن يبني جسراً من الثقة مع الجراح، وأن يفهم منه الاختلاطات المحتملة للعملية قبل إجراء العملية، لأن ذلك يسهل على الطرفين التعامل مع أي مضاعفات يمكن أن تحدث لدى المريض بعد العملية.

يمكنك العثور أدناه على إجابات مفصلة على معظم الأسئلة التي قد تخطر ببالك حول المضاعفات الناتجة عن العمليات الجراحية. وهذه المقالة تتطرق إلى الموضوع بشكل عام حيث يمكنك العثور على معلومات مفصلة حول مضاعفات كل عملية بحد ذاتها (مثل عمليات الغدة الدرقية أو الفتوق) من خلال صفحة المقالات، كما تعثر على معلومات إضافية حول مضاعفات التخدير بالذات في مقالة التخدير الجراحي وأنواعه.

مضاعفات العمليات الجراحية ونسبة حدوثها

هل المضاعفات بعد العمليات الجراحية هي أمر شائع الحدوث؟

في الواقع تمر معظم العمليات الجراحية بدون مضاعفات أو مشاكل خطيرة أثناء أو بعد العملية. وفي نسبة قليلة من الحالات تحدث مضاعفات أو مشاكل بسيطة بعد العملية، وفي حالات نادرة تحدث مضاعفات متقدمة أو خطيرة. تختلف شدة هذه المضاعفات ودرجة خطورتها حسب الكثير من العوامل، مثل نوع العملية وطبيعة المشكلة وعمر المريض والأمراض التي يعاني منها سابقاً.

وتعتبر بعض المضاعفات شائعة الحدوث وغير خطيرة، مثل مضاعفات ومشاكل الجروح، حيث يمكن مثلاً علاج التهاب الجرح بدون مشاكل. من جهة أخرى فإن بعض المضاعفات قد تكون خطيرة ومهددة للحياة، كأن يحدث مثلاً جلطة قلبية لدى المريض المسن. ولكن المضاعفات الكبيرة تكون عادة غير شائعة الحدوث في معظم العمليات الجراحية.

هل تعتبر نسبة حدوث المضاعفات الجراحية متماثلة بين جميع المرضى؟

بالطبع لا. تختلف نسبة حدوث المضاعفات بعد العملية الجراحية حسب عوامل متعلقة بالمريض وعوامل متعلقة بالعملية. فالعمليات البسيطة تترافق مع حدوث المضاعفات بنسبة أقل من العمليات الكبرى، وحين يكون المريض شاباً أو سليماً فإن نسبة المضاعفات تكون أقل بكثير منها في المريض المسن أو المتعب.

وبشكل عام كلما كانت العملية الجراحية أكبر وأطول مدة وكلما كان المريض أكبر سناً ويعاني من أمراض سابقة أكثر (مثل الداء السكري أو أمراض القلب) كلما كانت نسبة الاختلاطات الجراحية أكبر. وقد تم الحديث بتفصيل أكبر عن مضاعفات العمليات الجراحية لكبار السن في مقالة الجراحة عند المسنين.

ما هو احتمال أن أعاني من مضاعفات بعد العملية الجراحية التي سأخضع لها؟

إن الجراح هو أفضل من يجيبك على هذا السؤال، فلا توجد إجابة ثابتة على الإطلاق، وهذه الأمور تختلف بشكل كبير من مريض لآخر ومن عملية لأخرى. كما تختلف نسبة حدوث المضاعفات نفسها في العملية الواحدة، فهناك مضاعفات أقل شيوعاً وهناك اختلاطات أخرى أكثر شيوعاً. ولكن إجمالاً في معظم العمليات الجراحية الصغيرة والروتينية تبلغ نسبة المضاعفات وسطياً 10% من الحالات. ويشفى 90% من المرضى عموماً بدون حدوث مضاعفات جراحية.

عقابيل ونتائج المضاعفات الجراحية

هل المضاعفات الجراحية خطيرة؟

تكون المضاعفات الجراحية الشائعة عادة غير خطيرة وغير مهددة للحياة، ويمكن التعامل معها وعلاجها بدون مشاكل. وحتى لو أدت إلى تأخر شفاء المريض أو الحاجة للبقاء في المستشفى لفترة أطول، إلا أنها عادة يمكن أن تشفى بشكل كامل. ولكن بعض المضاعفات الجراحية الأقل شيوعاً قد تكون أكثر خطورة، وقد تحتاج إلى إجراءات طبية تشخيصية وعلاجية أخرى، وحتى إلى إعادة العملية الجراحية لأكثر من مرة. وفي الحالات الشديدة فهي يمكن أن تؤدي إلى الوفاة. ويختلف ذلك بطبيعة الحال من مريض لآخر ومن عملية لأخرى.

لماذا تعتبر المضاعفات الجراحية مزعجة؟

تعتبر المضاعفات الجراحية مزعجة لكل من الطبيب والمريض، وذلك لأنها عادة ما تحتاج إلى تداخلات إضافية: إما توسيع الإجراء الجراحي الذي يخضع له المريض، أو خضوع المريض لجراحة أو معالجات إضافية لم يكن مخطط لها. ويؤدي ذلك في النهاية إلى تطاول مدة الإقامة في المستشفى وزيادة التكاليف الإجمالية للمعالجة، وفي بعض الحالات قد يكون لهذه المضاعفات عقابيل صحية طويلة الأمد. وكأمثلة على ذلك نذكر:

  • مريض خضع لعملية استئصال مرارة بالتنظير بسبب التهاب حاد في المرارة. أثناء العملية كان هناك التصاق شديد بين المرارة وبين القناة الصفراوية الجامعة مما أدى إلى حدوث إصابة فيها. قرر الجراح إجراء فتح البطن حيث قام بتحويل العملية من الجراحة التنظيرية إلى الشق الجراحي لإصلاح الأذية. وهكذا تعرض المريض لعملية كبيرة نسبياً (فتح بطن) بسبب مضاعفات ناتجة عن طبيعة الحالة لديه.
  • مريضة بدينة خضعت لعملية استئصال الثدي وعادت إلى المنزل. بعد العملية بأسبوع تقريباً حدث لدى المريضة ضيق تنفس شديد وشخصت لديها جلطة رئوية. تم إعادة المريضة إلى المستشفى وبقيت هناك لمدة أسبوع تتلقى المعالجة إلى أن تحسنت حالتها ثم عادت إلى المنزل. وتوجب على المريضة المعالجة بمميعات الدم لمدة ستة أشهر بعدها.
  • مريض خضع لعملية استئصال ورم في القولون وتطور لديه بعد أيام من العملية تسريب من منطقة خياطة الأمعاء. احتاج المريض إلى إجراء عملية ثانية وإخراج فتحة صناعية للأمعاء على سطح البطن. واضطر المريض للبقاء في المستشفى لأسبوعين إضافيين أكثر من الفترة المقررة. كما سيحتاج في المستقبل لإجراء عملية أخرى لإعادة إغلاق فتحة الأمعاء.
  • مريضة خضعت لاستئصال الغدة الدرقية بسبب وجود ورم خبيث فيها وأثناء العملية حدثت إصابة في عصب الحنجرة في الجهتين. أدى ذلك إلى تقارب الحبال الصوتية وعدم القدرة على التنفس عبر الحنجرة. احتاجت المريضة لإجراء فتحة صناعية في القصبة التنفسية في أسفل الرقبة وأعلى الصدر. وستضطر لمتابعة حياتها مع هذه الفتحة.

هل يمكن أن تؤدي المضاعفات الجراحية إلى الوفاة؟

يعتبر حدوث الوفاة في العمليات الجراحية الروتينية نادر الحدوث. ولكن الوفاة قد تحدث بسبب المضاعفات الجراحية في حالات استثنائية. على سبيل المثال يمكن أن تحدث الوفاة في الحالات التالية:

  • حين تكون العملية بحد ذاتها خطيرة: مثلاً استئصال أورام الدماغ الكبيرة أو العمليات القلبية المتقدمة.
  • حين تكون حالة المريض سيئة جداً: مثل المرضى المسنين الذي لديهم أمراض شديدة ومتقدمة.
  • في العمليات الإسعافية الخطيرة: مثل مرضى الحوادث الذين لديهم رضوض شديدة ونزف شديد.

توقيت حدوث المضاعفات الجراحية

متى يمكن القول بأن العملية ناجحة؟

تقدم الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية صورة ساذجة عن العمليات الجراحية: يخرج الجراح من غرفة العمليات حيث ينتظر الأهل بقلق، وتأتي البشارة السعيدة: تهانينا، لقد نجحت العملية! فترتسم علامات الفرح والابتهاج على وجوه الجميع!

إن هذا السيناريو هو في الحقيقة أبعد ما يكون عن الواقع الفعلي. تقريباً تكون جميع العمليات ناجحة في لحظة الانتهاء من العملية، ولا يمكن أن نقول بأن العملية قد نجحت لمجرد الانتهاء من إجرائها. وما يقوله الجراح في الحياة الواقعية هو: لقد تم إجراء العملية وحالة المريض جيدة ولم تحدث مشاكل أثناء العملية. ولا يعني ذلك بأي حال من الأحوال أن العملية قد نجحت بالضرورة.

لنقل على سبيل المثال بأن مريضاً مسناً قد خضع لعملية بسيطة مثل استئصال الزائدة الدودية بدون حدوث أي مشاكل أثناء العملية. بعد العملية بأسبوع تطورت لدى المريض جلطة في أوردة الساق، وانتقلت هذه الجلطة إلى الرئة مما أدى إلى وفاة المريض. وفي هذه الحالة فإن العملية لم تكن ناجحة بأي حال من الأحوال نظراً لأنها أدت بشكل غير مباشر إلى وفاة المريض بسبب المضاعفات الجراحية.

إن نجاح العملية يعني في الواقع تحقيق الغاية من إجراء العملية وشفاء المريض بشكل كامل بعد العملية بدون حدوث مضاعفات، أو مع حدوث أقل قدر ممكن من المضاعفات القابلة للعلاج وغير المهددة للحياة. وبذلك لا يمكن تحديد فيما إذا كانت العملية قد تمت بنجاح إلا بعد أيام وأحياناً أسابيع من العملية. وقد يستلزم ذلك سنوات أحياناً كما في عمليات الأورام، حيث لا يمكن التأكد من شفاء المريض التام إلا بعد مرور عدة سنوات على العملية بدون أن يعود الورم للظهور مرة أخرى.

متى تحدث المضاعفات الجراحية عادة؟

تحدث المضاعفات إما أثناء العملية أو بعد العملية:

  • المضاعفات أثناء العملية: مثل التحسس لمواد التخدير، النزف أثناء العملية، إصابة الأعضاء المجاورة لمكان العملية.
  • المضاعفات بعد العملية: وهي تقسم إلى:
    • مضاعفات فورية: وهي التي تحدث في المستشفى بعد العملية مثل النزف ونقص التروية القلبية والاحتباس البولي الحاد.
    • مضاعفات مبكرة: وهي التي تحدث عادة في المنزل بعد أيام أو أسابيع من العملية مثلمشاكل الجروح.
    • مضاعفات متأخرة: وهي التي تحدث بعد أشهر أو سنوات من العملية مثل الالتصاقات داخل البطن أو الفتوق البطنية.

أنواع المضاعفات بعد العمليات الجراحية

ما هي المضاعفات التي يمكن أن تحدث بعد العمليات الجراحية؟

تقسم المضاعفات عادة إلى نوعين: المضاعفات العامة والمضاعفات الخاصة:

  • المضاعفات العامة هي المضاعفات التي تحدث في أعضاء أخرى من الجسم بعيدة عن مكان العملية، وذلك بسبب تعرض الجسم لإجراء العملية الجراحية. على سبيل المثال يمكن لعملية جراحية كبيرة على البطن أن تترافق لاحقاً مع مشاكل عامة مثل الالتهاب الرئوي أو الجلطة القلبية أو الاحتباس البولي.
  • المضاعفات الخاصة هي المضاعفات التي تحدث في مكان العملية والتي ترتبط بنوع العملية الجراحية المجراة. فعملية استئصال الغدة الدرقية مثلاً يمكن أن تترافق مع أذية في العصب الحنجري مما يؤدي إلى بحة الصوت، والعمليات الشرجية الواسعة يمكن أن تؤدي إلى إصابة العضلة القابضة للشرج وبالتالي خروج البراز بدون سيطرة المريض.

ما هي المضاعفات العامة التي يمكن أن تحدث بعد العمليات الجراحية؟

هناك قائمة واسعة جداً من المضاعفات العامة. بعض هذه المضاعفات يمكن أن يحدث أثناء العملية، والبعض الآخر يحدث بعد العملية بفترة تطول أو تقصر. وعليك أن تعرف أن معظم هذه المضاعفات نادر الحدوث وتشاهد لدى أشخاص لديهم أمراض سابقة، ويفيد التحضير الجيد للمريض قبل العملية بالإضافة إلى اتباع الإجراءات الوقائية اللازمة في تخفيف نسبة حدوث هذه المضاعفات. ومن الأمثلة عليها نذكر:

  1. المضاعفات العصبية: الجلطة الدماغية، النزف الدماغي.
  2. المضاعفات الرئوية: الالتهاب الرئوي، الجلطة الرئوية، تجمع السوائل في الرئة، التنفس الاصطناعي.
  3. المضاعفات القلبية: اضطرابات نظم القلب، الجلطة القلبية.
  4. المضاعفات الوعائية: الجلطة في أوردة الساق، ارتفاع الضغط الشرياني.
  5. المضاعفات البولية والكلوية: احتباس البول، التهابات الطرق البولية، القصور الكلوي.

ما هي المضاعفات الخاصة التي تحدث بعد العمليات الجراحية؟

هناك قائمة واسعة جداً من المضاعفات الخاصة التي يمكن أن تحدث بعد العمليات الجراحية، حيث تتعلق بنوع العملية الجراحية التي يخضع لها المريض. ويمكن العثور على معلومات مفصلة حول الاختلاطات الجراحية في الصفحة الخاصة بكل عملية من العمليات الجراحية في هذا الموقع. ومن الأمثلة عليها نذكر:

  1. مضاعفات الجروح: التهاب الجرح، الآلام المزمنة في مكان العملية، انفتاح الجرح.
  2. النزف في مكان العملية: والذي يمكن أن يحدث أثناء أو بعد العملية.
  3. الالتهاب الداخلي في مكان العملية: والذي يتراوح من الالتهابات الخفيفة حتى حدوث الخراجات والالتهاب العام وتسمم الدم.
  4. أذية الأعضاء المجاورة: مثل إصابة الأعصاب في عمليات الغدة الدرقية وإصابة الحالب في عمليات القولون.

الفرق بين المضاعفات الجراحية والأخطاء الطبية الجراحية

ما هو الفرق بين المضاعفات الجراحية والأخطاء الجراحية؟

المضاعفات الجراحية هي المشاكل التي يمكن أن تحدث بشكل طبيعي بسبب ظروف العملية أو المريض، على الرغم من اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للوقاية من حدوثها وبدون وجود أي تقصير من الطاقم الطبي. أما الأخطاء الطبية فهي المشاكل التي تحدث بسبب التقصير في اتخاذ بعض الإجراءات الطبية من قبل الطاقم الطبي أو في اتباع إجراءات مخالفة لما هو متعارف عليه بحيث تؤدي إلى مشاكل معينة لدى المريض.

هل يمكن أن تعطي أمثلة للتمييز بين المضاعفات الطبية والأخطاء الطبية؟

سأعطي هنا ثلاثة أمثلة بسيطة لتقريب هذه الفكرة:

  • مريضة خضعت لعملية استئصال المرارة بالمنظار بسبب التهاب حاد وشديد في المرارة، وهي تعاني بالأصل من ارتفاع الضغط الشرياني. كانت المرارة أثناء العملية ملتصقة على الكبد بشكل شديد وكان استئصالها صعباً ومترافقاً مع نزف شديد من الكبد، وقد بذل الجراح كل ما بوسعه لإيقاف النزف أثناء العملية ونجح بذلك. بعد العملية حدث لدى المريضة ارتفاع شديد في الضغط مما أدى إلى تكرر النزف من الكبد لدى المريضة، واستدعى ذلك إجراء عملية ثانية. هذه الحالة تعتبر من المضاعفات الطبية نظراً لأنها نتجت عن ظروف العملية وحالة المريضة على الرغم من أن الجراح قد بذل كل ما بوسعه لإجراء العملية بشكل مثالي.
  • مريضة أخرى خضعت لنفس العملية. كانت المرارة لديها غير ملتهبة وأمكن استئصالها بدون مشاكل. بعد العملية حدث لدى المريضة نزف حاد من الكبد استدعى إجراء عملية ثانية. ولدى البحث عن السبب تبين أن المريضة تتناول أحد الأدوية المميعة للدم بسبب وجود صمام صناعي في القلب، ولم يتم إيقاف هذا الدواء قبل العملية مما أدى إلى حدوث النزف. هذه الحالة تعتبر من الأخطاء الطبية نظراً لأنها نتجت عن التقصير في اتخاذ إجراءات طبية معينة قبل العملية وعدم تحضير المريضة بشكل صحيح للعملية الجراحية.
  • مريضة ثالثة خضعت أيضاً لنفس العملية وتم إجراء العملية بنجاح واستئصال المرارة بدون حدوث أي نزف أثناء العملية. بعد العملية حدث لدى المريضة نزف شديد في البطن استدعى إجراء عملية أخرى. تبين أثناء العملية أن مصدر النزف هو شريان صغير في عضلات البطن، والذي بدأ ينزف بعد إنهاء العملية. هذه الحالة تعتبر من المضاعفات الطبية حيث نتجت عن مشكلة معينة يمكن أن تحدث في مثل هذه العمليات، وليس عن خطأ من الطبيب الذي تأكد من أن الأمور كلها على ما يرام قبل إنهاء العملية.

لماذا تحدث الأخطاء الطبية والأخطاء الجراحية؟

تأكد أنه لا يوجد أي جراح في العالم يرغب بأن يرى مضاعفات أو أخطاء تحدث لدى مرضاه. والجراح يكون أثناء أي عملية جراحية حذراً ومتوجساً ودقيقاً للغاية في عمله، مثله مثل كابتن الطائرة، فأي خطأ بسيط يمكن أن يؤدي إلى سقوط الطائرة وتحطمها. وإن حدوث المضاعفات هو أمر مزعج للغاية للطبيب كما أنه مزعج للمريض. ولذلك لا يمكن للجراح أن يهمل عمله سواءً عند تحضير المريض أو أثناء العملية أو بعدها.

على الرغم من ذلك فإن الأخطاء الطبية الصريحة لا تزال تحدث في حالات نادرة. قد يكون ذلك بسبب نقص الخبرة المتوفرة لدى الجراح أو التقصير في اتخاذ إجراءات معينة ضرورية أثناء أو بعد العملية، إما بسبب الجهل بها أو بسبب عدم مواكبة المستجدات الطبية.

حدثت لدي مضاعفات بعد العملية فهل الجراح مسؤول عن ذلك؟

تحدث الاختلاطات الجراحية في أكبر المستشفيات في العالم وبأيدي أمهر الجراحين وأكثرهم خبرة. وبذلك حتى لو كان الجراح قد اتخذ جميع الاحتياطات اللازمة وأجرى العملية بالشكل المثالي وبواسطة أفضل المعدات واستخدم أفضل الأدوية، إلا أن المضاعفات الجراحية يمكن أن تحدث على الرغم من كل ذلك. وفي معظم الأحيان لا يكون للجراح أو الطاقم الطبي علاقة بحدوث المضاعفات المختلفة بعد العمليات الجراحية حين يتم تقديم التداخلات الطبية على أكمل وجه.

وكمثال على ذلك نذكر أحد المضاعفات البسيطة، وهو حدوث الالتهاب في جرح العملية. يقوم الجراح بتعقيم نفسه وتعقيم المريض قبل أي عملية جراحية، ويستخدم أدوات جراحية معقمة، ويجري العملية في غرفة عمليات معقمة، ويعطي الوقاية الدوائية اللازمة، وبعد العملية يتجنب المريض تعريض الجرح للماء، ويقوم الجراح بتغيير الضماد على الجرح وتعقيمه بشكل جيد. وعلى الرغم من ذلك نجد بأن الجرح يتعرض للالتهاب بشكل غير مفسر بعد العملية. إن هذا يعني أن الاختلاط الجراحي يمكن أن يحدث حتى لو اتخذ الجراح والمريض أقصى الاحتياطات.

وبذلك يجب على المريض ألا يتسرع ويلقي باللوم على الجراح أو المستشفى قبل أن يفهم بالضبط العوامل أو الأسباب التي أدت إلى حدوث الاختلاط الجراحي لديه، وبعد أن يعرف من الجراح فيما إذا كان قد اتخذ جميع الإجراءات اللازمة وفيما إذا كان هناك بالفعل خطأ طبي أم تقصير في العناية الطبية.

كيف أستطيع أن أعرف فيما إذا كان الجراح هو المسؤول عن المضاعفات التي حدثت بعد العملية؟

في معظم الأحيان لا توجد طريقة تعرف من خلالها فيما إذا كان الجراح مسؤولاً عن الاختلاط الطبي أم لا، وفيما إذا كانت المشكلة هي عبارة عن مضاعفات جراحية طبيعية أم أنها خطأ طبي حقيقي. وبذلك فمن الصعب للغاية على الإنسان العادي الإجابة على هذا السؤال.

وفي معظم الأحيان يكون من الصعب حتى على الجراحين الآخرين تحديد فيما إذا كانت المشكلة التي حدثت لدى المريض هي خطأ طبي أم لا. فهذه الأمور دقيقة وحساسة للغاية، ويجب أن نعرف ما الذي حدث بالضبط أثناء العملية وما هو سبب حدوث المشكلة حتى نحدد فيما إذا كانت عبارة عن خطأ طبي بالفعل أما أنها مجرد مضاعفات طبيعية بعد العملية.

وبذلك فإن الطريقة الوحيدة هي سؤال الجراح بشكل مباشر عن سبب حدوث المشكلة الطبية بعد العملية، وعن الأسباب أو العوامل التي أدت إلى حدوث هذه المضاعفات، وفيما إذا كان من الممكن تفاديها بشكل أو بآخر.

أشعر بأنني تعرضت لخطأ طبي فما الذي يمكنني أن أفعله؟

حين تتعرض لمضاعفات معينة بعد العملية وتشعر بأنك قد تعرضت لخطأ طبي فإن الخطوة الأولى هي الحديث بشكل مفتوح وصريح وهادئ مع الطبيب، وذلك لفهم طبيعة المشكلة التي حدثت وأسبابها، بالإضافة إلى الخطة المقترحة للتعامل معها. حين يتم التعامل مع المشكلة بهذه الطريقة فإن الطبيب سيكون منفتحاً أمام إعطاء المعلومات بشكل صريح والمتابعة معك للنهاية حتى حدوث الشفاء.

في حال عدم تعاون الطبيب فبإمكانك ببساطة أن تستشير جراحاً آخر، بحيث يدرس الحالة ويفحص المريض ويطلع على التقارير ليقرر فيما إذا كانت المضاعفات التي حدثت لديك هي مجرد مضاعفات طبيعية أم أنها خطأ طبي ناجم عن تقصير من قبل الجراح.

التعامل مع المضاعفات الجراحية

ما هي الخطوة الأكثر أهمية للتعامل بشكل صحيح مع المضاعفات الجراحية؟

إن الأمر الأكثر أهمية هو معرفة المضاعفات المحتملة للعملية من قبل الجراح مباشرة حتى قبل إجراء العملية الجراحية. في الدول الغربية يتوجب على كل مريض قبل العملية الجراحية أن يقرأ عدة صفحات تحتوي على معلومات شاملة عن العملية الجراحية ومضاعفاتها المحتملة، وأن يوقع عليها بعد أن يتلقى الشرح والتوضيح اللازم من الجراح.

عليك دائماً أن تبني ثقتك بالطبيب قبل أن تقوم بإجراء العملية لديه. حاول أن تسأل عن الطبيب الجراح قبل أن تقرر إجراء العملية على يديه، وتأكد أنه يتمتع بالمعرفة الكافية وبالأخلاقيات اللازمة التي تؤهله للحصول على ثقتك. تعرف عليه وتحدث معه بشكل جيد قبل العملية، وحاول أن تفهم منه جميع المعلومات المتعلقة بالعملية. اطلب منه المزيد من الوقت حتى لو لم يعطك الفترة الزمنية اللازمة للحوار قبل العملية. وعند اللزوم اكتب الأسئلة التي تخطر ببالك على مدى أيام وحدد مع الجراح موعداً آخر قبل العملية للإجابة على أسئلتك ومناقشة جميع جوانب الموضوع.

من المهم للغاية أن تعرف المضاعفات المحتملة للعملية حتى لو كانت نادرة الحدوث. في هذه الحالة لن تتفاجأ إذا حدثت مشكلة معينة بعد العملية وستتمكن من تمييز المضاعفات عن الأخطاء الطبية. كما ستثق بأي معلومات يخبرك بها الطبيب بعد العملية.

ما الذي يجب أن أعرفه عند حدوث مضاعفات جراحية؟

عند حدوث مضاعفات جراحية فعليك أن تسأل الجراح عن الأمور التالية:

  • ما هي الأسباب المحتملة التي أدت إلى حدوث المشكلة؟
  • هل كان من الممكن الوقاية من حدوث هذه المضاعفات بشكل أو بآخر؟
  • ما هي الخطة الحالية لمعالجة هذه المضاعفات؟
  • ما هي المدة المتوقعة لتحسن المشكلة؟
  • ما هي التكاليف المادية التي قد تترتب على معالجة المضاعفات؟
  • هل يمكن أن تتطور هذه المضاعفات إلى مشاكل أخرى في المستقبل القريب أو البعيد؟
  • هل الشفاء الكامل من هذه المضاعفات هو أمر وارد أم أنها ستترك عقابيل معينة؟

حدثت لدي مضاعفات جراحية وأرغب بتغيير الطبيب فهل تنصح بذلك؟

إن الطبيب الذي قام بإجراء العملية لك هو أفضل من يعرف حالتك وبالتالي فهو أفضل من يتابع علاجك. وحتى بعد حدوث مضاعفات طبية فإن من الأفضل أن تتابع العلاج لدى نفس الطبيب. وبالتأكيد فقد مرت على الجراح الكثير من الحالات المشابهة لحالتك، وبالتالي فهو يعرف كيف سيتعامل معها. وإن حدوث مشكلة أو مضاعفات معينة على يد جراح معين لا يعني أنه عديم الخبرة أو أنه لا يتقن عمله، فالمضاعفات تحدث في أفضل مراكز العالم ومع أمهر الجراحين.

إذا تأخر شفاء المشكلة التي لديك ولم يحدث تحسن واضح في حالتك السريرية فحاول ألا تغير الطبيب، وإنما ناقش ذلك بشكل مفتوح وصريح مع الطبيب المشرف على علاجك. واقترح عليه أن يستعين برأي طبيب آخر من اقتراحه يثق به ويمكن أن يساعد في علاج المشكلة. إن الإشراف على الحالة من قبل طبيب آخر بالاشتراك مع الجراح الذي قام بإجراء العملية أساساً قد يكون أفضل بكثير من تغيير الطبيب بشكل كامل. والكثير من الأطباء يتقبلون هذا الموضوع ويرحبون به. في حال عدم تعاون الطبيب وعدم حدوث تحسن واضح في المشكلة فلا مهرب هنا من استشارة طبيب آخر لديه الخبرة الكافية.

د. فراس الصفدي
اسمي فراس الصفدي وأنا طبيب سوري متخصص بالجراحة العامة والبطنية والتنظيرية وأعمل حالياً في ألمانيا. أشرف على هذا الموقع الإلكتروني منذ عام 2010 وأهتم بنشر المعلومات الطبية الموثقة والحديثة في مجال تخصصي. يمكنك قراءة المزيد عني في سيرتي الذاتية.

لا تنسى الاطلاع على جميع مقالات أساسيات الجراحة!