الكاتب: د. فراس الصفدي - آخر تعديل: 2019-12-10
أعزائي الكرام أهلاً وسهلاً بكم في موقعي الإلكتروني معكم الدكتور فراس الصفدي، ويسرني في هذه المقالة أن أحدثكم عن أنواع التخدير المختلفة بالإضافة إلى المقارنة بينها، وذلك من خلال خبرتي الطويلة وعملي اليومي مع المرضى الذين نجري لهم العمليات الجراحية تحت التخدير العام أو التخدير النصفي أو التخدير الموضعي، وذلك حسب ما يتطلب وضع المريض.
سأشرح لك في البداية كيف يجرى كل نوع من التخدير وما هي محاسنه ومساوئه. وفي النهاية سوف أخبرك كيف تختار طريقة التخدير المناسبة لك بالاتفاق مع الطبيب. المقالة طويلة ولكنها ممتعة، تابع القراءة!
التخدير هو ضرورة ملحة لإجراء أي عملية جراحية بهدف تجنب شعور المريض بالألم والمعاناة أثناء العملية. وهناك ثلاث طرق رئيسية لإجراء التخدير: التخدير العام والتخدير النصفي والتخدير الموضعي. تمتلك كل من هذه الطرق مزايا ومساوئ معينة فلا يوجد طريقة كاملة ومثالية. يتحدد نوع التخدير المستخدم بالعملية الجراحية التي سيتم إجراؤها. وبعض العمليات الجراحية يمكن إجراؤها بواسطة أكثر من طريقة. وهنا يتوجب على المريض أن يشارك في اتخاذ القرار بالمشاركة مع الجراح بعد فهم المزايا والمساوئ في كل حالة.
يجرى التخدير العام بإعطاء أدوية متعددة للمريض بحيث يدخل في حالة نوم عميق. ويتم قبل وأثناء التخدير مراقبة المؤشرات الحيوية لدى المريض بشكل مكثف مما يجعل خطورة التخدير متدنية للغاية حتى بوجود أمراض مرافقة مثل الضغط أو الربو. ويتيح التخدير العام إجراء العمليات الجراحية الكبيرة والطويلة في أي مكان من الجسم. وهو يتميز بأن المريض لا يشعر بأي شيء مما يؤمن الراحة المطلقة له. ولكنه قد يترافق مع بعض الأعراض المزعجة بعد العملية مثل ألم البلعوم والإقياء والإنهاك، كما أن بعض المرضى قد لا يتحملون التخدير الكامل بشكل جيد في حال وجود أمراض عامة متقدمة.
يستخدم التخدير النصفي في العمليات التي تجرى على النصف السفلي من الجسم، والتي تشمل عمليات أسفل البطن والطرفين السفليين. وهو يجرى بحقن المادة المخدرة في الظهر بواسطة إبرة رفيعة. ويتميز التخدير النصفي بأن المريض يبقى صاحياً أثناء العملية دون أن يشعر بأي ألم، ويمكنه تناول الطعام والشراب مباشرة بعد العملية. ولكنه لن يتمكن من النهوض من السرير إلا بعد عدة ساعات وربما حتى اليوم التالي، وذلك بسبب الارتخاء الكامل الذي يحدث في عضلات الساقين. كما أنه قد لا ينجح لدى بعض المرضى مما يستدعي التحويل إلى التخدير الكامل.
أما التخدير الموضعي فهو يستخدم للعمليات الجراحية المحدودة التي تجرى في مساحة صغيرة من الجسم. ويجرى من خلال حقن المادة المخدرة بواسطة إبرة في منطقة العملية. ويتميز التخدير الموضعي بأنه إجراء سهل وبسيط ولا يترافق مع مضاعفات عادة، ويمكن إجراؤه في العيادات وأقسام الطوارئ بدون مشاكل. ولكن لا يمكن استخدامه عند الأطفال أو لإجراء العمليات الواسعة، كما أن المريض قد يحتاج أحياناً إلى إعطاء المهدئات أو المنومات في حال عدم كفاية التخدير.
يمكنك العثور في هذه المقالة على إجابات مفصلة على معظم الأسئلة التي قد تخطر ببالك حول التخدير الجراحي وأنواعه المختلفة. وإذا لم تعثر على إجابة لسؤالك في هذه المقالة فعليك الاستفسار من الطبيب الجراح والمخدر المشرف على حالتك حسب طبيعة العملية الجراحية التي ستخضع لها.
التخدير هو منع الإنسان من الشعور بالألم والمعاناة أثناء إجراء التداخلات الطبية. والغاية منه هي أن يكون المريض مرتاحاً ولا يتعرض للآلام المبرحة، وأن يتمكن الجراح من إتمام عمله في ظروف مثالية. ويجرى التخدير إما من خلال إعطاء مواد مخدرة ومنومة تؤدي إلى النوم وفقدان الوعي بشكل كامل، أو من خلال حقن مواد مخدرة موضعية في مكان معين من الجسم لإجراء التخدير الموضعي مع المحافظة على الوعي.
لا يمكن إجراء العمليات الجراحية بدون تخدير، فمجرد إجراء شق بسيط في الجلد يؤدي إلى آلام مبرحة لا يمكن للإنسان تحملها. ولا بد من اتباع واحدة من الطرق المختلفة للتخدير عند إجراء أي عملية جراحية.
هناك ثلاثة أنواع أساسية من التخدير:
التخدير العام أو البنج الكامل (general anesthesia) هو حالة تشبه النوم العميق، حيث يعطى المريض أدوية مخدرة تؤدي إلى فقد الوعي وارتخاء الجسم وفقد الإحساس بالألم. ويكون المريض خلال التخدير العام عادة بحالة شلل كامل، حيث يعطى الهواء والأوكسجين عن طريق جهاز التنفس الاصطناعي الموجود في جهاز التخدير، وذلك بواسطة أنبوب يتم إدخاله عبر الفم إلى الطرق التنفسية بحيث يوصل بواسطة أنابيب خاصة إلى جهاز التخدير.
يتم إجراء التخدير العام من قبل طبيب التخدير بمساعدة فنيي التخدير. يقوم طبيب التخدير عادة بتحضير المريض قبل العملية الجراحية ودراسة حالته بشكل جيد ومعرفة أي عوامل خطر محتملة يمكن أن تكون موجودة لديه. بالإضافة إلى ذلك فهو يقوم أيضاً بالرعاية به بعد الإنعاش من التخدير حتى يصحو بشكل كامل ويصبح قادراً على التنفس والكلام والحركة. ويبقى طبيب التخدير أو فني التخدير بجانب المريض أثناء التخدير العام دون أن يتركه لحظة واحدة، وذلك بهدف مراقبة حالته والتعامل مع أي مشكلة يمكن أن تحدث خلال العملية.
لقد تطور علم التخدير خلال العقود الماضية بشكل هائل بحيث أصبح هناك عدد كبير من أدوية التخدير المختلفة المناسبة لجميع المرضى حتى لو كانت لديهم أمراض أو مشاكل صحية سابقة. وأصبحت هناك أجهزة متطورة ومعقدة لإعطاء المواد المخدرة ومراقبة المريض أثناء العملية بحيث يبقى تحت العناية المكثفة من قبل الطاقم الطبي طوال فترة الجراحة.
ويمكن القول بأن التخدير العام قد أصبح في الوقت الحالي إجراءً روتينياً لا يترافق مع خطورة تذكر. وقد تم الحديث عن هذا الموضوع بشكل أوسع في هذا الموقع ضمن مقالة الخوف من العمليات الجراحية.
بالطبع. عند إجراء التخدير العام يجب أن تكون المعدة فارغة تماماً. فإذا كانت المعدة تحتوي على أي سوائل أو مأكولات فإن هذه المواد قد ترجع إلى الأعلى عند التخدير وتدخل في القصبة التنفسية مما يؤدي إلى التهاب رئوي خطير. ولذلك يجب الامتناع عن تناول أي شيء في الساعات الأخيرة قبل العملية.
وعادة يجب على البالغين الصيام الكامل عن الطعام والشراب لمدة 8 ساعات قبل العملية، ويمكن الاستمرار بشرب الماء حتى ما قبل العملية بأربع ساعات. أما لدى الأطفال فإن هذه الفترة تتراوح بين 4 و 6 ساعات حسب العمر، كما ذكر بالتفصيل في مقالة العمليات الجراحية عند الأطفال.
يجرى التخدير العام وفق مراحل مدروسة ودقيقة. بعد إحضار المريض إلى قسم العمليات يتم إدخال إبر وريدية لإعطاء الأدوية عبرها ويتم إلصاق مجسات خاصة على الصدر لمراقبة القلب، كما توضع مجسات أخرى على أصابع اليدين والذراع لمراقبة الضغط والأوكسجين في الدم
ويوصل المريض إلى أجهزة المراقبة بحيث تتم مراقبة كافة المشعرات الحيوية قبل البدء بالتخدير. وقد يتم وضع مجسات وقثاطر أخرى حسب نوع العملية التي ستيم إجراؤها.
إذا أشارت أجهزة المراقبة إلى أن المشعرات الحيوية على ما يرام يمكن عندها البدء بالتخدير بإعطاء الأوكسجين عن طريق القناع عبر الفم. وهنا يطلب من المريض أن يتنفس بعمق حتى ترتفع نسبة الأوكسجين في الجسم بشكل كبير قبل البدء بالتخدير. بعد ذلك يضيف طبيب التخدير أدوية التخدير إلى الأوكسجين بحيث يتنفسها المريض وتدخل إلى الرئتين ثم تصل إلى الدماغ. وهنا ينام المريض ويرتخي ويفقد الشعور بالمحيط بشكل كامل.
في هذه الأثناء يقوم طبيب التخدير بحقن عدد من الأدوية عبر الوريد بهدف إلغاء الشعور بالألم وإرخاء المريض بشكل جيد. ويتم بعد ذلك إدخال أنبوب رفيع عبر الفم والحنجرة إلى داخل القصبة التنفسية. والهدف من هذا الأنبوب هو تأمين التنفس الاصطناعي للمريض طوال فترة العملية، وذلك لأن المريض يكون بحالة ارتخاء وشلل كامل ويكون عاجزاً عن الشهيق والزفير. يتم وصل الأنبوب بجهاز التخدير الذي يقوم بنفخ الهواء والأوكسجين إلى داخل الرئتين ثم سحبها بشكل مشابه لحركات الشهيق والزفير. وهكذا يدخل المريض في حالة التخدير المستقر ويمكن للجراح أن يبدأ بإجراء العملية.
هناك الكثير من الأدوية التي تعطى للمريض أثناء التخدير العام. ويتم اختيار هذه الأدوية وتحديد الجرعة المستخدمة منها حسب الكثير من العوامل مثل عمر المريض ووزنه والأمراض الموجودة سابقاً لديه، بالإضافة إلى نوع العملية الجراحية ومدتها. ومن الأدوية التي تعطى عادة نذكر:
يعتبر التخدير العام نعمة كبيرة لأنه يتيح للإنسان إجراء العمليات الجراحية بدون الشعور بأي معاناة. وتتلخص مزايا التخدير العام بالنقاط التالية:
يمكن عادة إجراء العمليات الجراحية تحت التخدير العام بدون مشاكل لدى الأشخاص الذين لديهم أمراض سابقة مثل الربو أو ارتفاع الضغط أو الداء السكري أو أمراض القلب، وذلك بشرط التحضير الجيد للمريض قبل العملية بالتنسيق مع الأطباء المشرفين على العلاج. ولا يكفي رأي الطبيب الجراح في هذه الحالات بل يتوجب دائماً استشارة طبيب الأمراض الباطنية المشرف على علاج المريض في السابق والحصول على موافقة خطية منه بإمكانية إجراء التخدير وبالنصائح التي يتوجب اتباعها.
حين يتم تحضير المريض بالشكل المناسب فإن التخدير الكامل لا يحمل عادة خطورة إضافية. وقد تم الحديث عن هذه الأمور بالتفصيل في مقالة التحضير للعملية الجراحية في هذا الموقع. كما تم التطرق إلى موضوع تحمل التخدير والعمليات الجراحية لدى كبار السن في مقالة العمليات الجراحية عند المسنين.
لا تشكل زيادة الوزن الشديدة مانعاً من التخدير العام. بل إن بعض المرضى الذين يخضعون لعمليات البدانة وقص المعدة يكون وزنهم 150 أو 200 كيلوغرام أو أكثر ويخضعون لعمليات تحت التخدير الكامل بدون أي مشاكل. والمهم أن تكون وظيفة القلب والرئتين والفحوص الأخرى ضمن المجال الطبيعي.
وفي مثل هذه الحالات يتوجب قبل العملية إجراء دراسة كاملة قد تشمل الاستشارة القلبية لدى طبيب القلب والاستشارة الصدرية لدى طبيب أمراض الرئة. إذا أظهرت الدراسة أن حالة القلب والرئة طبيعية ولا يوجد خطر من التخدير فلا يوجد أي مانع من إجراء التخدير في هذه الحالة.
ولكن يتوجب بطبيعة الحال تحضير المريض بالشكل المناسب واتخاذ إجراءات معينة قبل وبعد وأثناء العملية للوقاية من حدوث مضاعفات العمليات الجراحية، والتي تكون أكثر شيوعاً لدى المرضى البدينين.
لا يجوز في حالات الزكام والإنفلونزا والتهابات الجهاز التنفسي إجراء العمليات تحت التخدير الكامل، لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تطور الزكام إلى التهاب رئوي يمكن أن يكون خطيراً. كما أن إجراء أي عملية جراحية يتطلب أن تكون مناعة الجسم في أفضل وضع ممكن حتى لا تحدث مضاعفات بعد العملية.
ولذلك يتوجب في هذه الحالات تأجيل العملية إلى موعد لاحق طالما لم تكن إسعافية. وسلامة المريض هي أهم من إجراء العملية في هذه الحالات. وطبعاً يختلف الوضع إذا كانت العملية عاجلة أو إسعافية بسبب مشكلة مهددة للحياة، ففي هذه الحالة تصبح حياة المريض في المقام الأول ويتوجب إجراء العملية حتى بوجود الالتهاب التنفسي.
لقد تحدثت الكثير من وسائل الإعلام مؤخراً عن حالة الوعي أثناء التخدير، وذُكرت في السابق حالات لأشخاص استعادوا وعيهم أثناء العملية وأصبحوا قادرين على الإحساس والسمع أثناء العملية، ولكن مع الشعور بالشلل الكامل وبدون القدرة على التعبير عن ذلك. وتعتبر هذه الظاهرة ممكنة الحدوث، حيث يصفها المرضى بأنها تجربة مزعجة. ولكننا نادراً جداً ما نصادفها على أرض الواقع، وأنا لم أسمع حتى الآن ولا شكوى واحدة من أي مريض حول حدوث هذه الحالة منذ أن بدأت بالعمل في اختصاص الجراحة وحتى اليوم.
إن السبب في حدوث هذه الحالة هو إعطاء جرعة من الدواء المخدر أو المنوم أقل من حاجة الجسم الفعلية، وبالتالي خروج المريض من حالة النوم العميق. وفي الوقت نفسه يكون المريض قد تلقى أيضاً الأدوية المرخية للعضلات، وبالتالي فهو يشعر في هذه الحالة بالشلل لأن العضلات تكون مرتخية بتأثير الأدوية. وبذلك فإن المريض يجد نفسه واعياً ولا يتمكن من القيام بأي حركة بطبيعة الحال. وهذا لا يعني بالضرورة أن المريض يشعر بالألم، فالمريض يتلقى أيضاً مسكنات قوية للألم من نوع المورفين بحيث لا يشعر بالألم أثناء الجراحة حتى لو كان بحالة صحو جزئي.
وبجميع الأحوال فإن هذه المشكلة أصبحت نادرة الحدوث للغاية في الوقت الحالي، نظراً لأن أطباء التخدير أصبحوا ينتبهون إلى هذه الناحية بشكل خاص، ويراقبون مؤشرات معينة على شاشات المراقبة تظهر فيما إذا كان المريض بحالة نوم عميق أم لا. وعند ظهور أي دلائل على الصحو الجزئي للمريض يقوم الطبيب مباشرة بإعطاء جرعات إضافية من أدوية التخدير المنومة بحيث يعود المريض إلى حالة النوم العميق. وأنا شخصياً لم تمر علي أي حالة من هذا النوع خلال كامل ممارستي للطب والجراحة. ولذلك لا يوجد في الوقت الراهن مبرر للقلق بخصوص هذا الموضوع.
نعم. تحدث هذه الأعراض بسبب الرض الناتج عن الأنبوب المستعمل في التخدير الذي يتم إدخاله عبر الفم والحنجرة إلى داخل القصبة الهوائية، وهذه الأعراض شائعة الحدوث بعد التخدير العام بسبب تخريش البلعوم والحنجرة وتوذم الأغشية المخاطية.
وتحسن هذه الأعراض يحتاج حتماً إلى بعض الوقت، عادة يومين أو ثلاثة أيام، وفي بعض المرضى قد لا تزول الأعراض بشكل كامل إلا بعد أسبوعين من العملية. ويمكن عند اللزوم إعطاء المعالجة الملطفة مثل مضادات الوذمة والمسكنات، بالإضافة إلى الإكثار من السوائل الساخنة والعسل إلى أن يحدث التحسن.
لا. يعتبر الغثيان والإقياء من التأثيرات الجانبية التي يمكن أن تحدث بعد التخدير العام بسبب الأدوية القوية المستخدمة في التخدير. ويعتقد الكثير من الناس أن الجسم يطرح أدوية التخدير عن طريق الإقياء، وأن المريض يجب أن يتقيأ أدوية التخدير بعد العملية حتى تخرج من الجسم.
وفي الواقع هذا الكلام ليس له أساس من الصحة، فأدوية التخدير تخرج من الجسم عن طريق الكبد والكليتين، والإقياء لا علاقة له بخروج أدوية التخدير من الجسم. ويحدث الغثيان والإقياء بعد العملية لدى حوالي 20-30% من الناس، أما في باقي الحالات فلا يعاني المريض من أي مشكلة من هذا النوع. وفي الحالتين تطرح أدوية التخدير من الجسم بشكل طبيعي ويستعيد المريض حالة الصحو الطبيعي خلال ساعات بعد العملية.
تطرح معظم أدوية التخدير من الجسم بشكل كامل خلال 24 ساعة من انتهاء العملية، حيث يقوم الجسم بتعطيل هذه المواد الدوائية وطرحها عبر الكبد والكليتين إلى خارج الجسم. على الرغم من ذلك فإن معظم المرضى قد يشعرون ببعض الإنهاك لعدة أيام بعد العملية. والسبب في ذلك هو ليس بقاء أدوية التخدير في الجسم، وإنما الضغط والإرهاق الذي يتعرض له الجسم بسبب التخدير العام والشق الجراحي والنزف الدموي.
يحتاج بعض المرضى أحياناً لإجراء عمليات متكررة بسبب مضاعفات طبية معينة تحدث لديهم. وأحياناً قد يحتاج المريض إلى التخدير العام بشكل متكرر كل يومين أو ثلاثة أيام. ولا يشكل التخدير المتكرر بحد ذاته خطورة على المريض سواءً كان بالغاً أم طفلاً، ذلك أن أدوية التخدير الحديثة تطرح من الجسم بشكل كامل دون أن يكون للإعطاء المتكرر تأثيرات ضارة.
وقد مرت علينا بعض الحالات التي تم فيها إجراء التخدير العام عشر مرات خلال أقل من شهرين دون أن تحدث أي مشاكل تخديرية لدى المريض. ويقوم طبيب التخدير عادة باختيار الأدوية المناسبة في هذه الحالات بحيث لا تحدث تأثيرات غير مرغوبة للتخدير المتكرر.
لقد طرأت خلال العقود الماضية تطورات كبيرة على أجهزة وأدوية التخدير بحيث أصبح من الممكن استخدام البنج العام بأمان لدى الأطفال في جميع الأعمار. وسواءً كان الطفل حديث الولادة عمره ساعات أو أيام، أو كان رضيعاً يبلغ بضعة أشهر من العمر، فمن الممكن إجراء أي عملية جراحية تحت التخدير الكامل بدون مشاكل أو خطورة تذكر. ولا يؤدي التخدير الكامل عند الأطفال إلى مضاعفات على المدى الطويل أو تأثيرات على الجهاز العصبي أو القدرة الذهنية. وقد تم الحديث عن هذه الأمور بالتفصيل في مقالة العمليات الجراحية عند الأطفال ضمن هذا الموقع.
كما هو الحال لدى الكبار، فإن إجراء التخدير الكامل المتكرر لدى الأطفال لا يؤثر على الطفل ولا يوجد أي مشكلة منه. ومن الشائع أن يحتاج بعض الأطفال إلى إجراء عدة عمليات جراحية خلال فترة قصيرة، ولم نشاهد أي مشاكل ناجمة عن هذا الأمر. وبطبيعة الحال فإن طبيب التخدير سوف يأخذ هذه الأمور بعين الاعتبار ويستعمل الأدوية المناسبة لدى الطفل بحيث لا تحدث تأثيرات غير مرغوبة للتخدير المتكرر.
التخدير النصفي أو التخدير الشوكي (spinal anesthesia) هو تخدير النصف السفلي للجسم. يجرى التخدير من خلال حقن الدواء المخدر ضمن العمود الفقري في الظهر بحيث يصل إلى الأعصاب ويخدرها. وبالتالي تتوقف الأعصاب عن العمل في النصف السفلي من الجسم ولا يتمكن المريض من تحريك الطرفين السفليين، كما يفقد الإحساس بشكل كامل في النصف السفلي من الجسم مما يتيح إجراء العمليات الجراحية المختلفة بدون الشعور بالألم.
يمكن بواسطة التخدير النصفي إجراء جميع العمليات الجراحية على الطرفين السفليين مثل عمليات العظام والمفاصل والأوعية الدموية. كما يتيح التخدير النصفي إجراء العمليات الشرجية المختلفة مثل عمليات البواسير والنواسير الشرجية.
وبالنسبة لعمليات البطن فيمكن استخدام التخدير النصفي في التداخلات على أسفل البطن مثل الولادة القيصرية واستئصال الزائدة الدودية وفتوق السرة الصغيرة. أما العمليات البطنية الكبيرة أو عمليات الجراحة التنظيرية فلا يمكن إجراؤها إلا تحت التخدير العام، ولا يمكن إجراؤها تحت التخدير النصفي.
يتم إجراء التخدير النصفي في غرفة العمليات. يجلس المريض على حافة سرير العمليات وينحني برأسه للأمام، ويقوم طبيب التخدير بتعقيم منطقة الظهر ثم إدخال إبرة رفيعة جداً بين فقرات العمود الفقري لحقن المادة المخدرة. ويتم إدخال هذه الإبرة في القناة الشوكية، وهي عبارة عن نفق طويل يمتد داخل الفقرات ويسير فيه النخاع الشوكي والأعصاب التي تخرج منه.
بعد إدخال الإبرة في القناة الشوكية يتم حقن المادة المخدرة داخل هذه القناة، حيث تؤثر على الأعصاب المسؤولة عن الحركة وعن الإحساس مؤدية إلى ارتخاء الطرفين السفليين مع فقدان الإحساس في الجزء السفلي من الجسم. وفي بعض الأحيان يتلقى المريض أثناء التخدير النصفي بعض الأدوية المهدئة عن طريق الحقن الوريدي مما يجعله مرتاحاً بشكل أكبر خلال العملية. وهكذا يمكن للجراح أن يعمل دون أن يشعر المريض بذلك.
حين يقوم الطبيب المخدر بإدخال الإبرة في الظهر فيمكن للمريض أن يشعر ببعض الألم البسيط، وحين تصل الإبرة إلى القناة الشوكية وتلمس الأعصاب فسيشعر للحظة وكأن الكهرباء تسري في ساقيه، ولكن هذا الشعور قد يكون مزعجاً قليلاً ولكن دون أن يكون مؤلماً. وبعد أن يحقن طبيب التخدير المادة المخدرة في القناة الشوكية ويقوم بسحب الإبرة منها فسيأخذ التخدير مفعوله. وهنا يفقد المريض الشعور بالطرفين السفليين بشكل كامل ولا يتمكن من تحريكهما.
نعم. من مساوئ التخدير النصفي هي أنه قد يفشل في بعض الحالات القليلة، حيث لا تصل المادة المخدرة بشكل كاف إلى النخاع الشوكي ولا يحدث التخدير النصفي بشكل كامل ويستمر شعور المريض بالألم. وفي هذه الحالة يضطر المخدر لتحويل العملية إلى التخدير الكامل من خلال حقن المواد المهدئة أو المخدرة عن طريق الوريد حتى يتمكن الجراح من إتمام العملية.
يعتبر الصداع من التأثيرات الجانبية المزعجة التي قد تحدث أحياناً بعد التخدير النصفي. يظهر الصداع عادة في اليوم التالي للعملية وقد يكون شديداً جداً. ويشتد الصداع عند محاولة الجلوس أو الوقوف ويتحسن عند الاستلقاء. وقد يستمر الصداع لعدة أيام وربما لأكثر من أسبوع في بعض المرضى. ولكن هذه المشكلة لا تعتبر خطيرة، حيث يتحسن الصداع عادة بشكل تدريجي ليزول تماماً خلال أيام.
يسبح النخاع الشوكي داخل العمود الفقري في سائل مائي يدعى باسم السائل الدماغي الشوكي، وهذا السائل متصل مع السوائل المحيطة بالدماغ داخل الجمجمة. عند إجراء التخدير النصفي وحقن المواد المخدرة ضمن هذا السائل، فإن كمية من السائل قد تتسرب نحو الخارج من مكان دخول الإبرة في أسفل الظهر.
يؤدي تسرب السوائل إلى نقص كمية السائل الدماغي الشوكي داخل الجمجمة، مما يؤدي إلى الشد على السحايا والأوعية الدموية المحيطة بالدماغ. ويؤدي ذلك إلى حدوث الصداع الشديد. ونظراً لأن ضغط السائل الدماغي الشوكي يكون أقل ما يمكن في وضعية الوقوف فإن الصداع عادة يشتد بالوقوف ويتحسن بالاستلقاء.
معظم المرضى يخضعون لإجراء التخدير النصفي بدون أي مشاكل وبدون أن يعانوا من الصداع بعد التخدير. وتقدر نسبة الصداع التالي للتخدير النصفي في الوقت الحالي بأقل من 1% من المرضى، وذلك لأن أطباء التخدير قد تداركوا هذه المشكلة من خلال استخدام إبر رفيعة في حقن مواد التخدير بحيث لا يحدث تسريب للسائل الدماغي الشوكي.
يزول الصداع التالي للتخدير النصفي لوحده خلال عدة أيام بدون الحاجة لأي معالجة خاصة، وفي حالات قليلة يستمر الصداع لفترة أطول تمتد إلى أسبوعين أو ثلاثة أسابيع. ويوصى باتباع النصائح التالية لتخفيف الأعراض ريثما تتحسن المشكلة:
التخدير الموضعي هو تخدير منطقة صغيرة من الجسم مع بقاء المريض صاحياً. ويتم عادة من خلال حقن المادة المخدرة الموضعية بواسطة إبرة في المكان المطلوب تخديره من الجسم.
بعد أن يقوم الطبيب بتعقيم المنطقة التي يرغب بتخديرها يتم إدخال الإبرة عبر الجلد وحقن المادة المخدرة تحت الجلد. عند الحقن يشعر المريض ببعض الحرقان في منطقة الحقن بسبب تأثير الدواء. خلال لحظات يزول هذا الشعور وتصبح المنطقة مخدرة حيث يفقد المريض الشعور بالألم بشكل كامل. وقد يستمر الشعور باللمس أو الضغط أو الشد على المنطقة، ولكن الإحساس بالألم يزول كلياً ويمكن للطبيب إجراء العملية بدون مشاكل.
يستخدم التخدير الموضعي عادة في خياطة الجروح الرضية الصغيرة وإجراء العمليات البسيطة مثل استئصال الكتل الجلدية أو الدهنية أو غيرها من العمليات الموضعية. ونظراً لأن الجرعة التي يسمح باستخدامها من المخدر الموضعي تكون محدودة عادة، فلا يمكن استخدام التخدير الموضعي في العمليات التي تتطلب العمل في مساحة كبيرة، مثل خياطة الجروح الكبيرة والواسعة أو استئصال الأورام الجلدية الكبيرة. وفي هذه الحالة يجب اللجوء إلى الطرق التخديرية الأخرى.
نعم. يعتبر التخدير الموضعي آمناً لدى الحامل وهو لا يؤدي إلى مشاكل أو تأثيرات جانبية طالما تم استخدام المخدر الموضعي بالجرعات المسموحة. ولا مشكلة من استخدام التخدير الموضعي بشكل متكرر أثناء الحمل، كما في علاج الأسنان أو جراحتها. وقد تم الحديث عن العمليات الجراحية عند الحامل بالتفصيل في المقالة الخاصة بهذا الموضوع.
في الواقع كل طريقة من طرق التخدير المتوفرة حالياً لها مزايا معينة ومساوئ معينة، وبالتالي لا توجد طريقة تخدير مثالية تماماً. ولكن من الأصح أن نسأل: ما هي الطريقة الأنسب لإجراء التخدير حسب العملية الجراحية وحسب حالة المريض. ففي عملية استئصال المرارة بالمنظار مثلاً لا يمكن إجراء العملية إلا تحت التخدير الكامل، وبالتالي فهو الخيار الوحيد المتوفر في هذه الحالة. أما عملية الناسور الشرجي فهي يمكن أن تجرى تحت التخدير الكامل أو التخدير النصفي، وبالتالي يجب هنا اختيار الطريقة الأنسب للمريض.
هناك عدة عوامل تحدد نوع التخدير المناسب لكل مريض:
الخطوة الأولى هي أن تسأل الجراح عن طرق التخدير التي يمكن بواسطتها إجراء العملية الجراحية، والجراح هو الوحيد الذي يمكن أن يحدد ذلك حسب المشكلة الموجودة لديك. إذا كانت العملية لا تجرى إلا تحت التخدير العام فهنا لن يكون لديك خيار آخر. أما إذا كانت هناك خيارات أخرى فهنا يمكنك المشاركة في اتخاذ القرار.
الخطوة الثانية هي أن تتعرف على محاسن ومساوئ كل واحدة من طرق التخدير المتاحة بالنسبة لك. وقد ذكرت المحاسن والمساوئ بشكل مفصل في هذه المقالة. حدد رغبتك بشكل جيد وفيما إذا كنت تريد أن تبقى صاحياً أثناء العملية أو أن لا تشعر بأي شيء في غرفة العمليات.
أخيراً حاول أن تفهم من الجراح ما هي الطريقة التي يفضلها أو التي يجدها مناسبة لإجراء العملية لديك. بعض الجراحين يفضلون مثلاً إجراء العملية والمريض نائم بشكل كامل. إذا ترك الجراح الخيارات مفتوحة أمامك فعندئذ سيعود القرار لك حصرياً بعد فهم مزايا ومساوئ كل طريقة.
أولاً عليك طرح هذا السؤال مباشرة على الجراح الذي سيجري لك العملية، فهو يعرف فيما إذا كانت العملية المقررة لديك يمكن إجراؤها تحت التخدير الموضعي أو النصفي أم لا. إذا لم يكن ذلك ممكناً وكان البنج الكامل هو الطريقة الوحيدة للتخدير عند إجراء هذه العملية فلا يوجد مهرب من التخدير العام في هذه الحالة. وقد تستفيد في هذه الحالة من النصائح التي ذكرتها في مقالة الخوف من العمليات الجراحية في هذا الموقع.