الكاتب: د. فراس الصفدي - آخر تعديل: 2019-12-10
تقريباً في كل يوم أصادف في عملي اليومي مرضى مدخنين يحتاجون لإجراء عملية جراحية. أنا الدكتور فراس الصفدي ويسعدني في هذه المقالة أن أشرح لكم خلاصة خبرتي مع المرضى المدخنين في غرفة العمليات!
يؤسفني القول بأن التدخين هو من أكثر العادات السيئة انتشاراً في مجتمعاتنا. ويحتاج الكثير من المدخنين لإجراء عملية جراحية ما، مما يطرح الكثير من الأسئلة حول مخاطر التدخين في هذه الحالة والمضاعفات التي قد تتولد عن إجراء العمليات لدى المدخنين، بالإضافة إلى الفترة اللازمة للتوقف عن التدخين قبل إجراء العملية إن كان تأجيل العملية ممكناً. وتنطبق المعلومات المذكورة في هذه المقالة على جميع أنواع التدخين، بما في ذلك السجائر والشيشة.
يعتبر الجهاز التنفسي والرئتان أكثر أعضاء الجسم حساسية للتدخين. تكون وظيفة الرئتين متدنية لدى المدخنين مما يؤدي إلى نقص الأوكسجين وإلى حدوث أعراض مزعجة أثناء التخدير والصحو وبعد العملية مباشرة. وفي الأيام التالية للعملية يعاني المريض من القشع والسعال الشديدين، مما يؤدي إلى الشد على الجرح وحدوث الألم الذي لا يمكن السيطرة عليه بالمسكنات.
ومع السعال المتكرر يحدث الشد على القطب الداخلية مما قد يؤدي إلى انفتاح الجرح أو حدوث الفتوق الجراحية المتأخرة. وقد يؤدي الكبس المفاجئ الناتج عن السعال إلى انفتاح أحد الأوعية الدموية الداخلية مما يؤدي إلى النزف ويستدعي إجراء عملية جراحية أخرى. ويؤدي تراكم المفرزات لدى بعض المرضى إلى انسداد الطرق التنفسية وحدوث الالتهابات الرئوية التي قد تكون قاتلة.
وفي الدرجة الثانية تأتي المضاعفات القلبية والوعائية، حيث يؤدي التدخين لفترة طويلة إلى تصلب الشرايين وارتفاع الضغط الشرياني. ومع التخدير والجراحة يؤهب ذلك لحدوث الجلطات المختلفة سواءً في القلب أو الدماغ أو أوردة الساق، وهذه الحالات كثيراً ما تكون قاتلة. بالإضافة إلى ذلك فإن تصلب الشرايين يؤدي إلى ضعف وصول الدم إلى الأنسجة الجلدية، مما يؤهب لحدوث مضاعفات الجروح المختلفة مثل الالتهابات وتأخر الشفاء، كما يسيء ذلك إلى النتيجة التجميلية حيث تكون الندبة كبيرة وبشعة مقارنة بالمرضى غير المدخنين.
وبسبب هذه المضاعفات فيتوجب على المدخن التوقف عن التدخين قبل فترة كافية من العملية. والفترة المثالية هي شهرين قبل العملية، حيث يستطيع الجسم خلال فترة شهرين التخلص من آثار التدخين وتستعيد الأعضاء المختلفة الكثير من وظائفها الطبيعية. وإذا كنت ستخضع لعملية جراحية خلال فترة تقل عن شهرين من الزمن فعليك التوقف عن التدخين منذ اليوم حتى لا تتعرض للمشاكل المذكورة أعلاه. أما بعد العملية فأنا أنصحك بعدم العودة إلى التدخين مجدداً، فهذه فرصة رائعة لك للتخلص من هذه العادة السيئة بشكل نهائي.
يمكنك العثور أدناه على إجابات مفصلة على معظم الأسئلة التي قد تخطر ببالك حول التدخين وتأثيراته المختلفة على المرضى الذين يخضعون لإجراء عمليات جراحية.
نعم. يعتبر التدخين من عوامل الخطورة التي تؤدي إلى حدوث المشاكل والمضاعفات الجراحية المختلفة سواء أثناء العملية الجراحية أو بعدها. ويعتبر المريض المدخن بشكل عام مريضاً مزعجاً لكل من طبيب التخدير والطبيب الجراح، وذلك لأن التدخين بحد ذاته يؤدي إلى عدد من المشاكل أثناء وبعد الجراحة.
نعم. إذا كان المريض مدخناً لكمية كبيرة ومنذ فترة طويلة وحدثت لديه أحد المضاعفات الخطيرة بعد العملية الجراحية بسبب التدخين، فإن هذه المضاعفات يمكن أن تكون قاتلة في بعض الأحيان.
تحدث تأثيرات التدخين على الجهاز التنفسي حين يستمر المريض بالتدخين حتى وقت إجراء العملية ولا ينقطع عن التدخين قبل فترة كافية. عند إجراء العملية والبقاء في المستشفى بعد العملية فإن المريض سيضطر حتماً للتوقف عن التدخين بحكم وجوده في المستشفى. وخلال فترة قصيرة ترتكس الطرق التنفسية من خلال حدوث احتقان شديد وخروج كميات كبيرة من المفرزات منها. يترافق ذلك مع السعال وخروج البلغم والمفرزات.
تؤدي هذه التأثيرات إلى اضطراب وصول الأوكسجين إلى الجسم والأعضاء الأساسية التي تحتاج إليه بشكل كبير أثناء العمليات الجراحية وبعدها مما يؤدي إلى مشاكل ومضاعفات في عدة أعضاء في الجسم. كما يؤدي ذلك في الأيام التالية إلى سعال مستمر قد يصبح شديداً مؤدياً كذلك إلى مشاكل أخرى مثل اشتداد الألم وحدوث النزف والالتهاب الرئوي.
يؤدي التدخين إلى عدد كبير من المضاعفات التي يمكن أن تحدث خلال العملية الجراحية ومنها:
يؤدي التدخين إلى عدد كبير من المضاعفات بعد العملية الجراحية ومنها:
لقد لاحظنا أن المرضى المدخنين يعانون عادة من الألم أكثر من غيرهم بكثير بعد العمليات الجراحية. والسبب الأول في ذلك هو وجود المواد السامة في الجسم التي تعيق عمل مسكنات الألم المستخدمة بعد العمليات. أما السبب الثاني فهو أن التهاب القصبات المزمن الناتج عن التدخين يؤدي إلى السعال الشديد والمستمر عادة بعد العمليات. وفي كل مرة يسعل فيها المريض فهو سيشكو من الألم المزعج في جرح العملية، وخصوصاً في عمليات الصدر البطن. وحتى عند المعالجة بمسكنات الألم، فإن المريض المدخن سيتألم أكثر بكثير من المريض غير المدخن بعد أي عملية جراحية.
بالطبع. من المعروف أن الجرح يتأخر في الالتئام لدى المريض المدخن مقارنة بغير المدخن، وذلك لأن المواد الكيميائية التي تدخل إلى الجسم عند التدخين تؤدي إلى انقباض الأوعية الدموية وتمنع وصول كميات كافية من الأوكسجين إلى الأنسجة. بالإضافة إلى ذلك فإن مضاعفات ومشاكل الجروح ستكون أكثر شيوعاً بكثير، مثل الالتهابات بسبب نقص المناعة الموضعي أو النزف داخل الجرح بسبب تمزق الأوعية الدموية الصغيرة.
نعم. لقد أظهرت الكثير من الدراسات أن كمية الأوكسجين التي تصل إلى الجرح تكون قليلة في المرضى المدخنين مما يؤدي إلى تباطؤ التئام الجرح وعدم تركيب المواد الكيميائية اللازمة للالتئام بشكل صحيح. وبالتالي فإن مشاكل الجروح مثل الالتهاب أو تأخر الشفاء هي أكثر بكثير لدى المرضى المدخنين، كما أن الندبة الناجمة عن جرح العملية تكون أكبر وأبشع في المرضى المدخنين.
وإذا لم تنقطع التدخين خلال الشهر السابق للجراحة فعلى الأغلب أن الندبة الناجمة عن الجرح ستكون أوضح وأبشع ولن تحصل على النتائج التجميلية الأفضل التي يتمتع بها الآخرون من غير المدخنين.
ليس بالضرورة، فالكثير من المرضى المدخنين يخضعون للعمليات الجراحية دون حدوث مشاكل أو مضاعفات خطيرة، والكثير منهم تحدث لديهم مشاكل بسيطة قابلة للعلاج. ولكن التدخين يؤهب لحدوث هذه المضاعفات بنسبة أعلى. وإذا استمريت بالتدخين حتى يوم إجراء العملية فأنت تعرض نفسك لحدوث هذه المشاكل بنسبة أعلى بكثير من المريض العادي غير المدخن الذي يخضع لنفس هذه العملية.
يجب أن يقوم المريض المدخن بإيقاف التدخين قبل وبعد العملية على النحو التالي:
يفضل الانقطاع عن التدخين لأطول فترة ممكنة قبل إجراء العملية. والفترة المثالية تبلغ شهرين من الزمن. إذا استطعت التوقف عن التدخين قبل شهرين من تاريخ العملية المحدد فافعل ذلك. إذا كانت العملية ستجرى خلال أقل من شهرين من الآن فنصيحتي هي أن تتوقف مباشرة عن التدخين.
حتى لو لم تنقطع عن التدخين خلال الفترة السابقة فأنصحك أن تتوقف مباشرة عن التدخين حتى لو كان ذلك خلال الأيام الأخيرة قبل إجراء العملية. كلما كانت فترة الانقطاع أطول كلما كان ذلك أفضل. ويبقى التوقف عن التدخين خلال الأسبوع الأخير أفضل بكثير من الاستمرار بالتدخين حتى يوم إجراء العملية.
لا. على الرغم من أن الكثير من التأثيرات الضارة للتدخين تبدأ بالتحسن بعد ساعات من إيقاف التدخين، إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة. إذا كنت تدخن منذ فترة طويلة تصل إلى عدة سنوات فمن غير المعقول أن تزول تأثيرات هذه السنوات بمجرد إيقاف التدخين لمدة 12 ساعة. إن الحصول على تأثير إيجابي من ترك التدخين يحتاج إلى الانقطاع عن التدخين لمدة أسبوعين على الأقل، أما الفترة اللازمة لزوال التأثيرات السلبية للتدخين المديد بشكل كامل فهي تبلغ 4-8 أسابيع، أي شهر واحد وحتى شهرين.
نعم، فالمعلومات المذكورة في هذه المقالة تنطبق على جميع أنواع التدخين، سواءً تدخين السجائر أو النرجيلة (الشيشة) أو الغليون (البايب). ومن الجدير بالذكر أن الشيشة تعتبر أخطر بكثير من السجائر، وذلك لأن تدخين الشيشة يترافق مع التعرض لكمية أكبر من الدخان والسموم الموجودة فيه ولفترة طويلة ومستمرة.
في دراسة عالمية شهيرة تبين أن نسبة المضاعفات الجراحية قد بلغت 15% في المرضى الذين توقفوا عن التدخين قبل 3 أسابيع من العملية و22% في المرضى الذين توقفوا عن التدخين قبل 1-2 أسبوعاً من العملية، في حين أن هذه النسبة قد وصلت إلى 37% في المرضى الذين لم يوقفوا التدخين على الإطلاق. إن لم توقف التدخين فهناك فرصة كبيرة للتعرض للمضاعفات المختلفة التي ذكرت في بداية هذه المقالة، والتي قد يكون بعضها معيقاً أو حتى قاتلاً.
نعم، وينطبق عليك ما ذكر أعلاه حول العمليات الجراحية التي تجرى تحت التخدير العام، وهناك عدة أسباب لذلك. السبب الأول هو أن العمليات التي تجرى تحت التخدير الموضعي أو النصفي قد تتعرض أحياناً لمشاكل معينة تستوجب تحويل طريقة التخدير إلى البنج العام دون سابق إنذار. أما السبب الثاني فإن هناك التدخين لدى المرضى الجراحيين سيؤدي إلى الكثير من المشاكل التي يمكن أن تحدث حتى عند استخدام التخدير الموضعي أو النصفي، مثل مشاكل القلب والأوعية الدموية والتهاب الجرح والسعال والألم بعد العملية.
يمنع التدخين في المستشفى بشكل مطلق. وحتى لو حاولت أن تدخن في غرفتك الخاصة ضمن المستشفى فإن الرائحة الصادرة عن الغرفة ستدفع عادة بالمسؤولين عن جناح المرضى لمنعك من التدخين. إن التدخين داخل المستشفى يعتبر مؤذياً للمرضى الموجودين فيها كما أنه يتسبب بالإزعاج للطاقم الطبي الموجود.
ولذلك نرجو منك ألا تفكر حتى بأن تدخن طوال فترة وجودك في المستشفى. بل ونرجوك ألا تفكر بالخروج إلى حديقة المستشفى لمجرد أن تدخن سيجارة وتعود، لأن ذلك سيؤثر بشكل سلبي على صحتك وعلى نتائج العملية لديك.
حين يأتيني مريض مدخن لإجراء عملية جراحية غير إسعافية أو عاجلة، فأنا أطلب منه الانقطاع عن التدخين تماماً لمدة أسبوعين قبل إجراء العملية ولمدة شهرين على الأقل في العمليات الكبيرة. لقد شاهدت وسمعت عن الكثير من المرضى الذين حدثت لديهم مضاعفات صعبة العلاج وصلت أحياناً إلى الوفاة بسبب تأثيرات التدخين على الجسم وتفاقمها بشكل كبير بعد إجراء عملية جراحية. ولذلك فأنا لا أنصحك فقط بالانقطاع عن التدخين لفترة كافية قبل العملية، بل أيضاً بتركه تماماً وبشكل نهائي ودائم.
نعم. بعد عدة ساعات من إيقاف التدخين بشكل كامل يبدأ القلب والرئتين بالعمل بشكل أفضل، وتتراجع مستويات النيكوتين وأول أوكسيد الكربون في الدم، ويتحسن الجريان الدموي في القلب والدماغ والأعضاء الأخرى، وتتناقص مشكلة الاختلاطات والمشاكل الناجمة عن التدخين. تتزايد هذه التأثيرات الجيدة للتوقف عن التدخين مع الزمن وتعود وظائف الأعضاء إلى طبيعتها خلال أسابيع قليلة. وإن الفترة الأدنى للانقطاع عن التدخين قبل العمليات الجراحية التي تجرى تحت التخدير العام يجب ألا تقل عن أسبوعين.
من الضروري للغاية إيقاف التدخين لفترة طويلة قبل العمليات الجراحية وبعدها، وبعض المرضى المتعاونين قد ينقطعون عن التدخين لفترة تصل إلى شهر واحد. بالإضافة إلى ذلك فإن التدخين في المستشفى هو ممنوع منعاً باتاً. ولهذه الاسباب فإن فترة إجراء العملية الجراحية هي فرصة ممتازة لك لتتوقف عن التدخين بشكل نهائي. إذا كان الطبيب قد أعطاك موعداً معيناً لإجراء العملية الجراحية، فحاول أن توقف التدخين مباشرة على أمل الامتناع عنه بشكل كامل وعدم العودة إليه نهائياً.
وحين تقرر بأنك ستجري أي عملية جراحية فهذا يعني أنك مهتم بالفعل بصحتك، ولذلك فمن الأولى أن تعيد النظر بعاداتك الشخصية خلال هذه الفرصة وتفكر بالإقلاع نهائياً عن التدخين. وقد رأينا في ممارستنا الطبية الكثير من المرضى الذين تمكنوا من الإقلاع عن التدخين بشكل نهائي عند إجراء عملية جراحية بسيطة بمجرد أنهم اتخذوا هذا القرار ودون الحاجة لأي مساعدة خارجية.
لا تصدق الناس والمقولات الزائفة التي تقول بأن التدخين يجلب الراحة والهدوء النفسي. لا شيء يعادل الصحة الجيدة والجسم المعافى. ولا شيء أسوأ من الإصابة بمرض رئوي مزمن أو بالسرطان في عمر مبكر بسبب عادة سيئة لا تحتاج إليها.
طالما أنك استطعت التوقف عن التدخين قبل العملية وبعدها، فهذا يعني أنك قادر على الانقطاع عن التدخين وأن الحياة ممكنة بدون تدخين. ولذلك فإن هذه العملية الجراحية هي فرصتك الذهبية لك للانقطاع عن التدخين بشكل نهائي. لا تسمح لنفسك بالعودة إلى التدخين مرة أخرى بعد العملية الجراحية طالما تمكنت من تركه.